على الرغم من أن هذه الأحبار الحيوية لم تستخدم حتى الآن سوى على نطاق صغير، فإن من الممكن استخدامها في بناء كل شيء تقريبا.


الطابعات الثلاثية الأبعاد قد تكون الحل الأمثل لتصميم بنايات صالحة للعيش في الفضاء (غيتي إيميجز)
لو أتيح للبشر العيش على المريخ أو القمر يوما ما، فإنه سيتعين عليهم تشييد مبان صالحة للمعيشة والعمل هناك. وترى وكالات الفضاء أن الطريقة المثلى للقيام بذلك تتمثل في الطابعات الثلاثية الأبعاد (الطابعات المجسِّمة). غير أن جلب أحبار الطباعة (المواد التي تستخدمها هذه الطابعات في البناء) من الأرض إلى أي جرم سماوي آخر، أمر مكلف جدا وليس خيارا ممكنا.


محاكاة الطبيعة
غير أن دراسة جديدة نشرت في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشفت عن نوع من "الأحبار الحيوية" التي تصنع من بكتيريا الإشريكية القولونية (Escherichia coli) المبرمجة، والتي يمكن استخدامها في طباعة هلاميات مائية ثلاثية الأبعاد ذات أشكال مختلفة، يمكنها القيام بعدد من الوظائف طبقا للكيفية المصممة بها.
ويعد هذا النهج مختلفا عن الأحبار الحيوية السابقة، نظرا لتطويعه للبرمجة الجينية من أجل التحكم في الخصائص الميكانيكية للحبر نفسه، وهو ما يؤدي إلى تعظيم المنتج النهائي مما يتيح استخدامه بشكل عملي أكبر في عدد من تطبيقات الطباعة الثلاثية الأبعاد.
وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته جامعة "نورث إيسترن" الأميركية، يقول نيل جوشي أستاذ الكيمياء والبيولوجيا الكيميائية بالجامعة وقائد الدراسة "إننا أردنا أن نحاكي ما تقوم به خلايا الشجرة. إذ تمتص الموارد الموجودة في محيطها من أجل تفعيل برنامجها الداخلي المُعَد لبناء هيكلها، ومن ثم تتحول من بذرة إلى شجرة".
ويضيف جوشي قائلا "أردنا فعل الشيء ذاته من خلال تقديم هذه البرامج على شكل حمض نووي مكتوب ومعدل وراثيا".



إعادة برمجة بكتيريا الإشريكية القولونية أنتج نوعا من الأحبار الحيوية للطابعات الثلاثية الأبعاد (بيكسابي)


أحبار حيوية

ووفقا لما أورده تقرير لموقع "ساينس ألرت" (Science Alert) فقد تعرف الباحثون على الكيفية التي يجب أن تبرمج بها خلايا بكتيريا الإشريكية القولونية، لتنتج أحبارا حيوية بالكامل يمكن استخدامها في طباعة هياكل صلبة ثلاثية الأبعاد.
وقد استخدم العلماء هذا الحبر المنتج في طباعة أشكال صغيرة كدائرة ومربع ومخروط، كما تمكنوا من برمجة هذه البكتيريا لبناء مواد لها سمات محددة وذات تطبيقات متعددة، غير أن هذه الأحبار الحيوية لم تختبر في الفضاء بعد.
وللحصول على هذه الأحبار الحيوية، قام العلماء بإعادة برمجة الخلايا البكتيرية لإنتاج ألياف نانوية حية. وقد جمع العلماء بين هذه البكتيريا وبين العديد من المواد الأخرى لكي تتمكن من إنتاج هذه الألياف، في عملية كيميائية مستوحاة من عملية تجلط الدم في الثدييات والتي يلعب فيها بروتين الفيبرين دورا رئيسا.
ومن ثم قام الفريق بإدخال هذه الألياف النانوية في طابعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج أشكال مختلفة. وعلى النقيض من الأحبار الحيوية السابقة، فإن هذا النوع الجديد يعد بيولوجيا بالكامل، ولا يستخدم أي مادة اصطناعية.



من الممكن استخدام الحبر الحيوي في بناء كل شيء تقريبا مثل الهياكل الذاتية الترميم (غيتي إيميجز)


تطبيقات واعدة

وعلى الرغم من أنه لم يصمَّم سوى بعض الأشكال البسيطة -كالمخروط مثلا- حتى الآن باستخدام هذه التقنية، فإن العلماء يرون فيها أملا يفتح الباب أمام عدد من التطبيقات المحتملة في المستقبل.
ويذكر جوشي أنه عند "غمس المخروط مثلا في محلول الغلوكوز، فإن خلايا البكتيريا ستتغذى عليه وتصنع المزيد من تلك الألياف التي ستساعد على نمو المخروط إلى شيء أكبر"، كما أنه يمكنا الاختيار بين الإبقاء على البكتيريا حية، لو كنا في حاجة إليها، أو قتلها واستخدامها كمادة خاملة.
إضافة لذلك، فقد تمكن الفريق في تجاربه من الجمع بين الحبر الحيوي الذي أنتجه وبين الميكروبات الأخرى، وذلك لأداء مهام محددة مثل امتصاص المواد الكيميائية السامة أو إنتاج دواء مضاد للسرطان. ويرى الباحثون أننا قد نتمكن في المستقبل من تصميم حبر حيوي لديه القدرة على نسخ نفسه ذاتيا.
وعلى الرغم من أن هذه الأحبار الحيوية لم تستخدم حتى الآن سوى على نطاق صغير، فإن من الممكن استخدامها في بناء كل شيء تقريبا بدءا من الهياكل الذاتية الترميم، ووصولا إلى إنتاج أغطية للقوارير ذات قدرة على التخلص من المواد الكيميائية الخطيرة في الماء.