الهدف من برامج العلاج السلوكي هو إبطاء أو تجنب أعراض التوحد (بيكسلز)
يتفق الأطباء على أن العلم حتى الآن لم يكتشف علاجا لاضطراب طيف التوحد، وأن الأطفال المصابين بالتوحد قد يحرزون تقدما ملحوظا في السلوك واللغة والتواصل بعد خضوعهم لفترات مكثفة من العلاج السلوكي وجلسات التخاطب وتنمية المهارات.
وقد كشفت دراسة أن بعض الأطفال الذين تم تشخيصهم بشكل صحيح باضطرابات طيف التوحد "إيه إس دي" (ASD) في سن مبكرة، قد يفقدون الأعراض مع تقدمهم في السن. قد تساعد الأبحاث الإضافية العلماء على فهم هذا التغيير، والتوجّه إلى تدخلات أكثر فاعلية.
يشمل طيف التوحد العديد من اضطرابات الدماغ ذات الصلة، وتتراوح الأعراض بين خفيفة وشديدة. ويعاني المصابون باضطراب طيف التوحد عمومًا من مشاكل في التفاعلات الاجتماعية والتواصل، إذ يصيب التوحد نحو 1 من كل 54 طفلا، وفقا لأحدث تقدير للمراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها.
"النتيجة المُثلى" مصطلح يستخدم عند فقدان الأعراض في مراحل عمرية لاحقة للطفل، وتم توثيقه في دراسات سابقة حول التوحد. ومع ذلك، بقيت أسئلة حول ما إذا كانت الأعراض قد اختفت أو أن التشخيص الأصلي كان خاطئًا.
سعى فريق بحثي بقيادة الدكتورة ديبورا فين من جامعة كونيتيكت (University of Connecticut) إلى التحقق مما إذا كان يمكن تسجيل "النتيجة المثلى" لدى الأطفال الذين تم تأكيد تشخيصهم بالتوحد قبل سن الخامسة، من خلال تقارير الفصول الدراسية التعليمية والتقارير الطبية الموثقة حول التشخيص المبكر من طبيب أو أخصائي نفسي متخصص في التوحد، لتأكيد هذا التقييم.
علاج العلامات المبكرة للتوحد عند الرضع يمكن أن يساعدهم على تجنب علامات التأخر في النمو (غيتي)
ولتقييم حالة المشاركين، استخدم الباحثون الاختبارات المعرفية، بالإضافة إلى استبيانات الوالدين. وقد كشف هذا التقييم أن الأطفال لم يعد لديهم عجز واضح في اللغة أو التعرف على الوجوه أو التواصل أو التفاعل الاجتماعي، لكن العلماء لا يجزمون حتى الآن بآلية للتعافي والشفاء التام من التوحد.
ويخطط الباحثون الآن لمقارنات أكثر عمقًا لهؤلاء الأطفال، بما في ذلك دراسات تصوير الدماغ الهيكلية والوظيفية. كما أنهم يأملون في فهم أفضل للأطفال المصابين بالتوحد.
تقول فين المشرفة على الدراسة إن "جميع الأطفال المصابين بالتوحد قادرون على إحراز تقدم في العلاج المكثف، ولكن بحسب ما لدينا من معرفة حتى الآن، لا يحقق معظمهم نوع النتيجة المثلى المستهدفة". وأضافت "نأمل أن تساعدنا الأبحاث الإضافية على فهم آليات تطور المهارات لدى أطفال التوحد بشكل أفضل".
التعزيز الإيجابي والتكرار أداتان رئيسيتان لممارسي العلاج السلوكي (بيكسلز)
وفي دراسة أخرى، أفاد الباحثون بأن علاج العلامات المبكرة للتوحد عند الرضع الذين لا تزيد أعمارهم عن 6 أشهر، يمكن أن يساعدهم بشكل أساسي على تجنب التأخر في النمو النموذجي للاضطراب. ووفقًا لمجلة اضطرابات التوحد واضطرابات النمو، فإن التدخل لا يشمل العقاقير أو الجراحات، بل هو علاج سلوكي مكثف يقدمه آباء الأطفال.
كانت كريستين هينسون واحدة من هؤلاء الآباء. كانت تعرف كيف يبدو التوحد. ومع اثنين من أطفالها الثلاثة أظهروا تأخرا في النمو، كانت تبحث عن إشارات مماثلة عندما ولد ابنها نوح. وفي عمر 6 أشهر ظهرت الأعراض، بدأ نوح في تجنب الاتصال البصري معها وبأفراد أسرتها الآخرين، وكانت قوة عضلاته منخفضة، وبدأ يتأخر في مراحل الطفولة المبكرة مثل الحبو والاستجابة للأصوات والأشخاص.
كان نوح محظوظا بما يكفي ليكون واحدًا من 7 أطفال التحقوا ببرنامج مكثف يعتمد على الوالدين لعلاج التوحد عند الرضع الذين لا تزيد أعمارهم عن 6 أشهر.
الهدف من البرنامج هو إبطاء أو تجنب أعراض التوحد التي غالبًا ما تعني أن الأطفال المصابين يحتاجون إلى تعليم خاص أو رعاية مكثفة مع تقدمهم في السن.
يعد علاج تحليل السلوك التطبيقي أحد أكثر التدخلات شيوعًا للأشخاص المصابين بالتوحد (شترستوك)
حضرت الأم جلسة لمدة ساعة مرة واحدة في الأسبوع في المعهد، واستمرت في تطبيق ما تعلمته خلال كل تفاعل مع نوح في المنزل لمدة 6 أسابيع أثناء المتابعة مع مستشارهم. استندت التقنيات التي تعلمتها هي والآباء الآخرون إلى نموذج دنفر للبداية المبكرة، الذي طورته سالي روجرز أستاذة الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا (University of California) في ديفيس، والدكتورة جيرالدين داوسون في جامعة ديوك (Duke University).
تضمن البرنامج اللعب المكثف والمتعمد من قبل معالجين مدربين في منازل الأطفال. كان المعالجون يذهبون مرة في الأسبوع إلى منازل العائلات، ويتعاملون عن قصد مع الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و5 سنوات. حتى عندما يتم رفضهم، كان المعالجون يصرون على العثور على الأشياء التي تجذب الأطفال وإدخال أنفسهم في لعب الطفل بهذا الشيء حتى يضطرون إلى مزيد من المشاركة الاجتماعية.
في النهاية، استجاب الأطفال، وأظهروا تغيرات في الدماغ تشير إلى أن أنماط أدمغتهم كانت طبيعية لتبدو أشبه بتلك الخاصة بالأطفال غير المتأثرين بالتوحد.
ما العلاج السلوكي؟
يعد علاج تحليل السلوك التطبيقي "إيه بي إيه" (ABA) أحد أكثر التدخلات شيوعًا للأشخاص المصابين بالتوحد.
تقول أريانا إسبوزيتو، محللة السلوك المعتمد من مجلس إدارة "بي سي بي إيه" (BCBA)، يعتمد العلاج السلوكي على علم التعلم والسلوك. يتم استخدامه عادةً لمساعدة المصابين بالتوحد واضطرابات النمو الأخرى على تعلم السلوكيات التي تساعدهم في عيش حياة أكثر أمانًا واستقلالا دون الاعتماد على المحيطين بهم.
يركز العلاج السلوكي على تعليم المهارات الضرورية ووقف السلوكيات الخطرة، ويعمل المعالجون مع المصابين بالتوحد لتحسين مهارات مثل: قدرات التواصل واللغة، المهارات الاجتماعية، العناية الذاتية والنظافة، مهارات اللعب، القدرات الحركية، ومهارات التعلم الأكاديمية.
كل خطوة يتم تنفيذها بنجاح تتبعها استجابة إيجابية مثل مكافأة أو معزز طبيعي في البيئة. يتم تجاهل السلوكيات غير المرغوب فيها بشكل عام، وتتم إعادة توجيه الشخص نحو مهارة الممارسة. تختلف المكافآت حسب الشخص واهتماماته، ولكن يمكن أن تشمل أشياء مثل الثناء أو لعبة أو كتاب أو وقت مشاهدة التلفاز. التعزيز الإيجابي والتكرار أداتان رئيسيتان لممارسي العلاج السلوكي. لا ينبغي أبدًا استخدام العقوبة أداة لاستخلاص السلوك المطلوب.
يتم قياس التقدم من خلال جمع البيانات في كل جلسة علاج. يجتمع المعالج بانتظام مع أفراد الأسرة لمراجعة المعلومات حول التقدم المحرز. إذا لم يظهر المريض تقدمًا، فيمكن لممارس العلاج السلوكي تعديل خطط التدريس حسب الحاجة.