التأثير النفسي للثقافة



لكل مجتمع له ثقافته وعاداته ومن هذه الثقافات نرى تأثير المسارح والروايات والإعلام الدرامي على الشعوب ، إذا وضعنا أحد الرويات المسرحية المؤثرة ونرى الفرق بين تأثر الأوربي بها وبين المسلم
في هذا النص يوضح مالك بن نبي التأثير النفسي أو اللاشعوري للثقافة؛ كتب رحمه الله:
"لقد شاهدت في إحدى العواصم العربية رواية سينمائية مقتبسة عن إحدى روائع شكسبير (عطيل)، وتأثير هذه الرائعة في المسرح أو في السينما في أوروبا معلوم لنا، وخاصة لحظة وصولها إلى حل عقدتها عندما يقتل البطل صاحبته ثم ينتحر. لقد تركزت المهارة الروائية كما تؤدي بالموقف إلى هذا الحل الذي ادخر له الكاتب الإنجليزي كل موارد عبقريته، ليثير في وجدان المتفرج أعظم قدر من الانفعال، لكن هذه العبقرية أوربية، وهذا المتفرج أيضاً أوربي، فشخصيتهما منطوية على العناصر الذاتية نفسها، لأن جذورها تمتد في أرض واحدة، أمدتهما باستعداد واحد لتقبل المؤثرات.
أما جذور المتفرج المسلم فإنها تمتد في أرض أخرى، فذاتيته واستعداده للتقبل والانفعال مختلفان، ولذلك فقد يحدث أن نراه يضحك حيث يؤدي الموقف بالمتفرج الأوربي إلى البكاء.
لست أعدُّ هذا ناشئاً عن نقص في الحساسية، وإلا فكيف لنا لو أننا خصصنا المتفرج الإنجليزي بمزيد من الإحساس بالألم، أن نفسر سلوكه أمام المشكلات الاستعمارية، أعني أمام المأساة التي اشتملت على أكبر قدر من الألم الإنساني خلال التاريخ؟
بل الأمر غير ذلك تماما، فالمتفرج الأوربي عامة يفكر في جو من الحساسية الجمالية, بينما يفكر المسلم في جو من الحساسية الأخلاقية؛ ومن أجل هذا لا يمكن أن يتشابه سلوكهما أمام المشهد الواحد.
فعندما يقتل عطيل (ديموندا) وينتحر يبلغ انفعال المتفرج الأوربي أوجه, لأن الدائرة التي يعيشها في تلك اللحظة دائرة جمالية, أليس يرى نهاية مخلوقين جميلين!!
بينما يظل انفعال المتفرج المسلم هادئاً في هذا المشهد لأن دائرته أخلاقية, فهو يرى قاتلاً ومنتحراً.
ومن الطبيعي ألا يتدخل هذا الفرق في السلوك في صورة حكم موضوعي, بل في صورة ذاتية محض, إنه اللاشعور يتكلم لغته الخاصة بصورة أو بأخرى, ليس الشعور وليس العقل".