أمل هتلر الوحيد
بعد أن صعد الإتحاد السوفييتي ضرباته على ألمانيا فلم يكن لدى أدولف هتلر سوى حل وحيد وهو معجزة !
ها هي الحرب العالمية الثانية تقترب من نهايتها، وانهالت القوات السوفيتية بضربات موجعة على القوات الألمانية النازية الواحدة تلو الأخرى وبات الألمان يتراجعون على جميع الجبهات، ولكن بقي أمام أدولف هتلر أمل وحيد في حدوث معجزة
وتتمثل هذه المعجزة، بحسب رأي الاستخبارات الألمانية، بالقضاء على العدو الرئيسي لهتلر والمقصود هنا جوزيف ستالين. وكان النازيون يعيشون بذلك أمل إحداث خرق في مجريات الحرب من خلال اغتيال القائد الأعلى للجيش السوفيتي.
بعد القيام باختبارات عديدة ودقيقة اختارت الاستخبارات الألمانية المنفذ المناسب لهذه العملية، والذي أصبح بيوتر تافرين الضابط السوفيتي الذي لجأ إلى العدو في ربيع عام 1942 وذلك لأن الألمان كانوا معجبين بسجله الغني. ومن خلال إجراء بعض التحقيقات وجد النازيون الكنية الحقيقية لتافرين هو شيلو، والذي رفعت بحقه بطاقة بحث في جميع أنحاء الاتحاد السوفيتي بسبب قيامه العديد من الجرائم. فقبل بدء الحرب سجن ثلاث مرات، لكنه كان يتمكن من الهروب في كل مرة. وفي عام 1939 تمكن من الحصول على وثائق شخصية جديدة حيث تغير كنية المجرم شيلو إلى مواطن محترم سوفيتي يدعو بيوتر تافرين. لذا وبعد اندلاع الحرب عام 1941 استدعي شيلو- تافرين للخدمة في الجيش وتم ترقيته إلى رتبة قائد سرية، لكنه ذات يوم اصطدم برجل كان على علم بسوابقه. ومنذ تلك اللحظة قرر تافرين أن ينشق ويهرب إلى العدو قبل أن يتم الكشف عن حقيقته.
وبعد دراسة قضية تافرين وتقدير مدى خفة حركته وحيلته، عرض الألمان على الخائن أن يكون واحداً منهم مقابل خدمة كبيرة، وهي القيام باغتيال ستالين. بالطبع لم يكن هناك اختيار ولا خيار وما كان عليه إلا أن يوافق. وبعد ذلك أرسل تافرين إلى مدرسة للاستخبارات الألمانية من أجل تلقي تعاليم خاصة واختاروا له شريكة وهي مهندسة في قسم الرادار تدعى ليديا شيلوفا. يشار إلى أن المهندسين الألمان صنعوا لتافرين سلاحاً فريداً من نوعه وهو عبارة عن قاذف يدوي صغير للقنابل والذي يمكن تثبيته بذراع وتخبئته تحت الملابس، وكانت القذائف قادرة على اختراق دروع تصل سماكتها نحو 45 ملم على مسافة 300 م. وبعد ذلك أمر تافرين بالتوجه إلى موسكو واعتراض موكب ستالين وتدمير سيارته.
بدأت العملية في الرابع من شهر أيلول/سبتمبر لعام 1944 عندما حلقت المقاتلة الألمانية تقل في داخلها صندوقاً ضخماً حديدياً وفي داخله شخصين فقط ودراجة نارية. كان الراكب الأول يرتدي زي رسمي للجيش السوفيتي برتبة رائد، وقد ظهرت على صدره أوسمة عديدة مثل وسام لينين ووسام الراية الحمراء ووسام بطل الاتحاد السوفيتي تكريماً له ولبطولاته خلال الحرب. وبالقرب من الرائد كانت هناك امرأة برتبة ملازم تحمل وثائق مزورة تخفي وجهها ووجه الرائد الحقيقي. ووفقاً للأسطورة، فقد كان من المفترض أن يقوم المخربان على دراجة نارية بتسليم طرد سري لمدير فرع مكافحة التجسس السوفيتي. أما في حقيقة الأمر فالمهمة الرئيسية الوصول إلى منزل أعد كمخبأ في موسكو والبدء في عملية اصطياد ستالين.
هبطت الطائرة مع المخربين وراء خطوط الجيش السوفيتي في منطقة سمولينسك غربي موسكو. وبعد ذلك استقل تافرين وشيلوفا دراجتهما النارية مع أسلحتهم وجهاز البث والذخيرة وتابعوا مسيرهم باتجاه موسكو. ولكنهما لم يكونا على علم بأن عميل سوفيتي "لم يتم الكشف عن اسمه حتى الآن" قد نقل إلى موسكو جميع المعلومات عنهما ورسم مخطط تنقلهما. وبطبيعة الحال كان بانتظار تافرين وشيلفوفا بعد يوم واحد من هبوطهما مجموعة من عناصر مكافحة التجسس السوفيتية الذين ألقوا القبض عليهما، ولم يكن أمامهما فرصة لتنكر حقيقة المهمة التي جاءا من أجلها فالأدلة التي وجدت في الدراجة النارية تتحدث عن نفسها، لذا اعترف المخربان بكل شيء.
وفي هذه الأثناء قررت وكالة مكافحة التجسس السوفيتية أن تقوم بلعبة مع العدو، وتم إرسال أول برقية من تافرين إلى القيادة في برلين والتي تقول بأن المخربين وصلا إلى موسكو بسلام ومستعدان للقيام بالعملية. وعلى مدى عدة أشهر تمكنت وكالة مكافحة التجسس السوفيتية من تضليل الألمان حتى نهاية الحرب في التاسع من شهر أيار/مايو لعام 1945 عندما وقعت ألمانيا صك الاستسلام غير المشروط.
الجدير بالذكر أن أجهزة الاستخبارات السوفيتية أبقت على تافرين وشيلوفا تحت حراسة مشددة في شقتهم السرية في موسكو لمدة سبع سنوات، حيث توقعت القيادة السوفيتية ظهور مخرب آخر إلى هذا العنوان، ولكن لم يظهر أحد. وفي عام 1952 تم إدانة كل من تافرين وشيلوفا وإعدامهما.
أصبحت هذه العملية الناجحة لوكالة مكافحة التجسس السوفيتية معروفة فقط في عام 1990 عندما رفعت وكالة الاستخبارات السوفيتية السرية عن محاولة اغتيال ستالين.