الأجنة لا تذرف الدموع لكنها تبدأ التدرب على البكاء قبل استنشاق أول جرعة من الهواء


دراسة تطور تعابير الوجه في الرحم تمت من خلال التصوير رباعي الأبعاد بالموجات فوق الصوتية لحركات الجنين (شترستوك)
ابتداء من الثلث الثاني من الحمل قد تشعر الأم بأن جنينها المنتظر يركل ويتدحرج وحتى يمارس الفواق (الزغطة)، لكن هل تعرف إذا كان بإمكان جنينها بدء البكاء قبل ولادته، وهل تحس ببكائه داخل الرحم؟
رغم أن الحوامل لا يشعرن ببكاء الأجنة، فإن أحدث الأبحاث العلمية تشير إلى أن الجنين يبدو أنه يبدأ التدرب على البكاء قبل أن يستنشق أول جرعة هواء.


الموجات فوق الصوتية سمحت لنا بالتحديق داخل الرحم ومراقبة الأجنة أثناء نموها (شترستوك)


الموجات فوق الصوتية تحل اللغز

حسب تقرير نشر في موقع "لايف ساينس" (Live Science)، فقد سمحت لنا تقنيات الموجات فوق الصوتية بالتحديق داخل الرحم ومراقبة الأجنة أثناء نموها.
فعلى سبيل المثال، يُظهر مقطع فيديو نُشر في مجلة "أرشيفات الأمراض في الطفولة-إصدار الجنين وحديثي الولادة" (Archives of Disease in Childhood – Fetal and Neonatal Edition) عام 2005 جنينا عمره 33 أسبوعا يصنع تعابير وجه تبدو كأنها تبكي من خلال ملف تعريف بالموجات فوق الصوتية.
وبعد أن أعطى الباحثون الجنين تحفيزا للاهتزاز والضوضاء، قام بفتح فكه على نطاق واسع، وثني ذقنه وإطلاق زفير كبير 3 مرات على التوالي، في حين ارتفع صدره ومال رأسه للخلف، وانتهت تعبيرات وجهه بارتعاش الذقن. وشوهدت هذه الحركة في 10 أجنة (نحو 6% من إجمالي عدد الأطفال الذين تم فحصهم).



عندما أعطى الباحثون الجنين تحفيزا للاهتزاز والضوضاء قام بفتح فكه على نطاق واسع (شترستوك)


الأطفال لا يبكون في الرحم

فهل كان هذا الجنين يبكي في الرحم؟ وإجابة ذلك تعتمد على كيفية تعريفك للبكاء.
وتجيب ناديا ريسلاند، اختصاصية علم النفس التنموي في جامعة دورهام (Durham University) بالمملكة المتحدة، عن هذا السؤال في رسالة بريد إلكتروني لموقع "لايف ساينس" بقولها "إذا كنت تستخدم تعريف صرخة أو صراخ بصوت عالٍ غير مفصلي للتعبير عن شعور أو عاطفة قوية، فيمكنك القول بالتأكيد إن الأطفال لا يبكون في الرحم".
بعبارة أخرى، في الكيس الأمنيوسي المليء بالسوائل لا يستطيع الجنين أن يأخذ نفسا عميقا، ويملأ رئتيه بالهواء الذي يمكن أن يهتز عبر الأحبال الصوتية ليبدأ الطفل النحيب، وبالطبع هذا سيحتاج إلى انتظار زيارته الأولى خارج الرحم عند الولادة.
وللقيام بالدراسة، قام فريق ريسلاند بتحليل تطور تعابير الوجه في الرحم من خلال مراقبة حركات الأجنة في الثلثين الثاني والثالث من الحمل من خلال التصوير رباعي الأبعاد بالموجات فوق الصوتية، والأفلام ثلاثية الأبعاد لحركات الجنين.



أحدث الأبحاث العلمية تشير إلى أن الجنين يبدأ التدرب على البكاء قبل أن يستنشق أول جرعة هواء (شترستوك)

قد تكون تعابير الوجه هذه -بما في ذلك البكاء والضحك التي حددتها ريسلاند وزملاؤها في بحث نُشر في دورية "بلوس وان" (PLOS One) عام 2011- مقدمة لتعبيرات الوجه المستخدمة خارج الرحم. وتتطور تعابير الوجه الأولية هذه بعد نحو 24 إلى 35 أسبوعا، ويزداد تعقيدها مع عمر الحمل.
وقالت ريسلاند إن هذه الحركات خفية للغاية بحيث لا تشعر بها الحامل، لكن يبدو أن الجنين يمارس على الأقل حركات البكاء قبل الولادة، ويجهزها للعمل عندما يأخذ أنفاسه الأولى ويطلق ذلك النحيب الذي طال انتظاره ليشير إلى وصوله.



أداة مفيدة لتحديد اضطرابات النمو

ليس من الممكن معرفة إذا كان الجنين يستطيع إحداث اهتزاز في الأحبال الصوتية ويحاول إصدار أصوات في الرحم. حتى لو تمكن من إحداث موجة صوتية في السائل، فمن المحتمل ألا تكون قوية بما يكفي للتنقل عبر السائل الأمنيوسي ولحم الأم.
كما أننا لا نعلم أن حركات البكاء هذه مرتبطة بأي شكل من الأشكال بألم أو انزعاج الجنين. وفي دراسات ريسلاند، أظهرت الأجنة تعابير الوجه هذه من دون أي تحفيز من أي نوع. ولم تكن التعبيرات التي لاحظوها استجابة لأي تحفيز من قبل الباحثين.
وقالت ريسلاند إن تعبيرات الوجه تلعب دورا مهما في الترابط والتواصل بعد الولادة بين الوالدين والطفل، وقد تعمل تعابير الوجه هذه كنوع من التجربة لعضلات الوجه، وقد تساعد هذه الممارسة في الرحم الطفل على الارتباط بالآخرين بمجرد ولادته.

استهدفت دراسة ريسلاند لتعابير الوجه هذه مساعدة الباحثين على تطوير أداة مفيدة لتحديد اضطرابات النمو والمشاكل الصحية الأخرى للأجنة داخل الرحم، لأن الجنين الذي يعاني من مشكلة في النمو أو الصحة لا يُظهر تعابير الوجه هذه في الوقت نفسه الذي يظهرها الجنين السليم.
وقالت ريسلاند إن تطوير تعبيرات الوجه الكاملة يتم تعلمه بعد الولادة في السياق الاجتماعي للتفاعل مع الناس.
حيث لا يبدأ الأطفال الابتسام "اجتماعيا" إلا بعد مرور 8 أسابيع تقريبا، ولا تأتي ضحكات الأطفال الثمينة هذه إلا بعد 4 إلى 6 أشهر تقريبا، لكن وجوههم تطور هذه القدرات قبل أسابيع من الولادة.
كما أن الأجنة لا تذرف الدموع أيضا؛ ولا يبدأ بكاؤها بالدموع عادة إلا بعد نحو 4 أسابيع من الولادة، بمجرد أن تنضج القنوات الدمعية للأطفال بما يكفي لتشكيل الدموع، حسب ما ذكرته "لايف ساينس" سابقا.