الصفائح التكتونية الحديثة يرجح أنها نشأت في وقت ما خلال المليار سنة الماضية (شترستوك)
قد تكون الصفائح التكتونية التي نراها اليوم نتاجا لعمليات استمرت على مدار المليار سنة الماضية فقط، ولك أن تتخيل أن الغلاف الخارجي لسطح كوكب الأرض مكون من ألواح صخرية تطفو فوق طبقة الوشاح، وتتصادم باستمرار، وتغوص بعضها تحت بعض في ظاهرة تسمى "حركة الصفائح التكتونية" التي تشبه كسرات من قطعة بسكويت عملاقة تطفو فوق بحر من الحليب الحار.
وهنا لا بد أن نسأل عن مصير تلك الكتل الغارقة من القشرة الأرضية عندما تغوص في طبقة الوشاح؟
وتظهر النماذج الحاسوبية الحديثة -التي طورها باحثون من سويسرا والولايات المتحدة- أن كتل القشرة الصخرية التي تغوص إلى الوشاح لا تتفكك بشكل كامل، لكنها تضعف وتنحني لتأخذ شكل الثعبان النحيل، وتستمر في حركتها ضمن طبقة الوشاح.
وافترضت تلك النماذج الحاسوبية أيضا أن حركة الصفائح التكتونية التي نشهدها اليوم ربما كانت حركة مستمرة نشأت خلال المليار سنة الماضية فقط.
وحركة الصفائح التكتونية هذه تولد الزلازل والبراكين، كما أنها السبب في نشوء الجبال والجزر أيضا، وهو ما يفسر تجزئة القارة العظمى إلى 7 قارات وعدة آلاف من الجزر تفصلها بحار ومحيطات. إلا أن العلم لا يزال عاجزا عن تفسير آلية عمل الصفائح التكتونية بشكل كامل. فعلى سبيل المثال، لم يفسر العلم بعد مصير الألواح الغارقة تحت ألواح أخرى في منطقة تسمى منطقة "الاندساس" التي تختفي في طبقة الوشاح.
غواصون في صدع شهير بين لوحين تكتونيين تحت الماء في آيسلندا (شترستوك)
مناطق اندساس ضعيفة وحركة دائمة تستغرق ملايين السنين
نشرت دورية "نيتشر" (Nature) -في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري- دراسة تستعرض نماذج حاسوبية ثنائية البعد لمناطق الاندساس التي تمت برمجتها باستخدام الفيزياء المعروفة لكيفية سلوك المواد التي تصف كيفية تشوه الصخور تحت قوى معينة.
وأظهرت نتائج البحث أنه عندما كانت إحدى الصفائح تغوص تحت الأخرى، فإن الصفيحة الهابطة التي تسمى بـ"اللوح" تنحني فجأة باتجاه الأسفل وتتشقق، وأن هذا الانحناء يتسبب في جعل الطرف السفلي من اللوح أضعف ويقلل من سماكته أيضا.
ويرى المؤلف الرئيسي للبحث تاراس جريا، أستاذ الجيوفيزياء في "المعهد السويسري للتكنولوجيا في زيورخ" (ETH Zurich) بسويسرا، أن هذا يعني أن الألواح الغارقة لا تتفكك، ولكنها تنزلق تحت بعضها بعضا في حركة مستمرة تستغرق مئات الملايين من السنين.
وصرح جريا لموقع "لايف ساينس" (Live Science) بأن عمليات المحاكاة الحاسوبية التي قاموا بها تطابقت مع الملاحظات والتصوير الزلزالي العميق الذي أظهر مناطق ضعيفة ضمن منطقة الاندساس في اليابان.
مقطع عرضي تقريبي يشرح مناطق الاندساس وحركة الصفائح التكتونية (شترستوك)
متى بدأت؟
طور الباحثون أيضا نموذجا حاسوبيا يأخذ بعين الاعتبار أن تكون درجة حرارة باطن الأرض أكثر سخونة بمقدار 150 درجة مئوية، عما هي عليه الآن وذلك في عملية محاكاة لدرجة الحرارة التي يرجح أنها قد وصلت إليها منذ ما يزيد على مليار سنة مضت.
ووجدوا أن درجات الحرارة الأعلى قد أسفرت عن تحطم اللوح الغارق على بعد أميال قليلة فقط من الوشاح، لأنه لم يكن قادرا على الحفاظ على وزنه في طبقة الوشاح التي باتت أقل لزوجة بسبب الظروف الحارة.
وهكذا خلصت الدراسة إلى أن عملية الاندساس في ذلك الوقت كانت تنتهي بسرعة كبيرة نسبيا في غضون بضعة ملايين من السنين، على عكس الاندساس الحديث الذي يمكن أن يستمر لمئات الملايين من السنين.
وعلق البروفيسور جريا بأن هذه النتيجة ترجح أن تكون الصفائح التكتونية الحديثة قد نشأت في وقت ما خلال المليار سنة الماضية فقط.
وأضاف أن الشكل البدائي للصفائح التكتونية، الذي كان موجودا خلال العصور القديمة في الفترة ما بين 3.5 مليارات و 2 مليار سنة مضت، مختلف تماما عن شكلها في وقتنا الحاضر.
كما أن حركة الصفائح التكتونية قد شهدت فترة سكون منذ نحو 1.8 مليار إلى مليار سنة، وكانت فيها الصفائح أقل نشاطا بكثير.
وبالنظر إلى استحالة معرفة درجات الحرارة الدقيقة لنواة الأرض عبر الزمن، فلن يتمكن العلماء من تقديم جدول زمني دقيق للوقت الذي توقفت فيه الألواح عن الانقسام لتبدأ رحلتها الطويلة في الوشاح.
إلا أن الدراسة الجديدة قد قدمت خطوة في طريق تسخير النمذجة الحاسوبية لصياغة فرضيات مختلفة حول الجدل الدائر عن توقيت نشأة الصفائح التكتونية.
ويسعى الباحثون إلى تطوير نماذج ثلاثية الأبعاد أكثر تقدما لاستكشاف هذه الظاهرة وعلاقتها بالزلازل.