من بين الأساليب الشعرية، التي دخلت على قالب الشعر الشعبي العراقي، هي الومضة. والتي بدأت بالانتشار كثيرا، في الآونة الأخيرة. وحين العودة إلى فن الومضة، في الأدب العربي. وجدت عند المرور، بمعنى مفردة ومضة ما يثير الدهشة. فبعودتي لبعض معاجم اللغة العربية، وجدت مفردة ومضة تطلق على الرجل الذي، يرمز لأمر هام كبير بجملة مقتضبة صغيرة. بحيث كان يطلق عليه، رجل ومض. وهذا ما يمنحني فرصة، وعي لأساسيات هذا الفن ودواعيه. وبداية فن الومضة متوفر في الشعر العربي الفصيح منذ بداياته. وكان ضمن قولبة، تخلف عن اليوم. فمثل مصطلح بيت القصيد، الذي يشيع استخدامه. كان يطلق، على البيت الذي تتأسس عليه القصيدة. والذي نجده، أقرب إلى الومضة التي تختزل النص بشطر، أو بيت. وكثيرا ما يتحول، هذا البيت إلى الحافظة للقصيدة ككل. فيكون استذكارها منه. وقد جمع التاريخ الأدبي العربي، العديد من الأبيات، المنفردة. منها لشعراء معروفين، ومنها لأسماء شعرية، لم تشغل الساحة الشعرية العربية بقوة. وقد أطلق عليها قصائد البيت الواحد. مثل ما جمع التاريخ الأدبي، قصائد أصحاب الواحدة. أي القصيدة الواحدة. وهنا نجد الومضة، ضمن المألوف. من ناحية الوزن والعروض، وموسيقى الشعر المعمول بها حينها. حتى بدت تلك الأبيات المنفردة، تعيش الحوار السياسي والاجتماعي، ضمن دائرة الخطاب آنذاك. وهنا يتبين أن الومضة ليست أسلوب مستورد، من الأدب الغربي. وقد أثبت العديد من أهل الاختصاص ذلك. وقد ظهرت العديد من الأقلام العربية، والعراقية، التي كتبت الومضة بشكل رائع. دعت العديد من المختصين، في الغرب. العودة لها والوقوف عندها. وربما لا يسع المجال إلى ذكر الشواهد هنا. وما يعنيني هنا، هو الومضة في الشعر الشعبي. والمعروف إن الشعر الشعبي عموما، مستل بموسيقاه وأدواته الكتابية، والقالبية من الشعر الفصيح. ومن بين تلك الإستلالات، هي الومضة. والتي عاشت ضمن شكلين في الشعر الشعبي العراقي. الشكل الأول وجودها ضمن فضاء القصيدة العام، ومن بين أبياتها. وهذا ما يعود بنا إلى بيت القصيد. والشكل الأخر هو الانفرادي، والذي يمكن أن ننسبه لقصيدة البيت الواحد، وإن أختلف الأسلوب بطرحه. فبالعودة إلى أول الحداثة في الشعر الشعبي، مع الشاعر الأستاذ مظفر النواب. نجد الشكل الأول متوفر وبكثافة في العديد من نصوصه. ولكن تلك الانفراديات ذائبة ببودقة النص المكتوب، بشكل أو بأخر. وقد كتب بهذا الأسلوب العديد من الشعراء، غير النواب. والجميل في فن الشعر الشعبي، أنه حين يستل ظاهرة شعرية معينة، ويستخدمها مبدعيه في نصوصهم. يجعلون لها بصمتها الخاصة. التي تنتجها أقلامهم، لا يبقون على تعكزية مرة. قد لا تعطي للجديد هوية أبداع خاصة بفن الشعر الشعبي. علما إن الومضة التي باتت في دائرة الفصيح، أيضا أتخذت حالة من التجديد والتطور. خصوصا بمساحة المفردة. وفي العودة إلى الومضة بالشعر الشعبي. نجد في المنجز. أن هنالك من كتب الومضة المنفردة، ولكن ليس بالحضور الذي يثير الانتباه أحيانا. ويبدو أن الكتابة، كانت أتباع لخطى تجربة حديثة، ومهمة. أخذت مساحة شاسعة من القبول، لدى الذائقة الشعرية العامة. ثم بدأ موسم الكتابة الانفرادية، يمر بنسائمه على الشعر الشعبي. ومن بين الذين كانت لهم الأسبقية في النشر، هو الشاعر رحيم الغالبي. على حد معرفتي الشخصية ومتابعتي لجذرية الومضة وظهورها. ولكن أيضا لم تعش طويلا. واليوم ومع ما يعيشه الشارع العراقي من تسونامي للشعر الشعبي، والذي أجد فيه العديد من الأقلام الشعرية الثرية والمثمرة، والتي تبشر بعافية الشعر. كان للومضة ظهور وحضور. ولكن بخصوصية وشكلية خاصة وجديدة. بعيدة عن بيت القصيد. وقد حاول البعض طرح منجزه أو جزء منه، على أنه مجموعة ومضات شعرية. وهذا ما جعل لفظ الومضة، يطلق على شكلين. أحدهم صحيح، والثاني لا علاقة له بالومضة. والثاني هو الذي كثر استخدامه، إما من قبل القلم الشعري نفسه، أو من قبل الجمهور الشعري. وهو يقوم الشاعر بقص بيتين من قصيدة له، ويطرحهما على إنهما ومضة شعرية. وهذا غير صحيح. والشواهد عديدة وكثيفة. أو أن ذائقة القبول، عاشت متعة الاستماع مع بيتين أو أكثر في القصيدة، وطرحتهما على أنهما ومضة. علما أنهما ليس بالإمكان أن يكونا بيت القصيد. لأن هذا الأسلوب أولا أصبح نادر وغير مألوف. القصيدة اليوم تطرح كمشروع كامل ومتكامل. وهذا لا يعني أن قصيدة الأمس عكس ذلك. ولا أريد السرد والطرد هنا، بما يجعلني أذهب بشراع الكلام، بعيدا عن ما أريد أن أرسي عليه. فلو كانت الومضة في الشعر الشعبي، تعني بيتين من الشعر، يحملان صورة شعرية جميلة، وخيال لطيف. لأصبح كل بيت دارمي ومضة. أوكل بيت أبو ذيه ومضة. وهذا غير تام، ولا أساس له من الصحة. أما الشكل الأول وهو الصحيح. فهو الذي يأتي بالرمز النصي المكثف المقتضب، والذي يعطي المعنى الحقيقي لمفردة ومضة. كما مر ذكره. بحيث استطيع أن أنطلق بتلك الومضة وأفترشها على الورق وأفتح شفرتها ضمن قصيدة كاملة. أو ربما أقوم بلم فرش نص شعري ما، وأكثفه وألم مفرداته، وأعي قصديته. لأظهره بشطر مموسق شعريا ليكن ومضة. الومضة إضاءة يسلطها الشاعر، على حالة أو ظاهرة أو واقع. بحرص ودقة وسرعة. تحتاج إلى عين بصيرة، وذهنية متفتحة، لوعي الفكرة المرادة من ذلك التسليط، وتلك الإضاءة. وهنا قد تختلف المشاهدة الخيالية من شخص لآخر بمقدار أختلف البنية والدراية الذاتية بينهما. الشاعر عموما حين يستل قلمه للكتابة، يعيش حالة أو يشاهد ظاهرة، أو تعتريه رغبة. يطلق بها جناح خياله ليرسم بالمفردة. وينتج قصيدة ما، أو نص ما. ولكن حين أدعوه لأن يحيل ذلك النص أو تلك القصيدة، إلى ومضة ربما يحتاج، إلى وقت أطول، أو شاعرية أعلى. كي يستطيع ذلك. وبهذا تكن الومضة، مشروطة بأن تأتي بشطر واحد، ضمن وزن شعري ما. تمنح المتلقي فرصة السباحة، في خيالات واسعة. قد تنقله إلى محطات حزن أو فرح. فضاءات قبول أو رفض. كل يرسمها حيث مقدار رؤيته للمشهد الذي سلط عليه الشاعر إضاءته.
وقد وجدت فيه العديد من المنتديات الالكترونية متصفحات خصة بالومضة واطلعت من خلالها على مشاركات كثيرة. والتي من بينها، ما يرتقي إلى الومضة بحق. وكذلك وجدت مشاركات البيتين. وفي الحقيقة هي ابيات شعرية استقطعت من قصائد لشعراء منهم من نشرها بنفسه في المنتدات. ومنهم من وصلت قصائده بشكل او بأخر. وانا شخصيا فتحت متصفح في منتديات عديدة عن الصور الشعرية حتى يكن هنالك تميز بين الاثنين وقد وجدت عدد من ما هو منشور على انه ومضة، موجود في المتصفح كصورة من قصيدة. ومن هذه النقطة أود من الجميع، حين يشارك بومضة ويريدها أن تكون ضمن منتدى الومضة عموما، أو ضمن متصفح ومضات، أو ما يشابه، داخل المنتديات أو خارجها. فعليه أن يتأكد إن ما كتبه ومضة وليس صورة مستقطعة، أو لقطة شعرية. يحافظ على شرطية الشطر، وإن كانت بتقطيعتين أو أكثر. يحافظ على مساحة التكثيف، التي تعطي أكثر من دلالة و رؤية. يجعل من مفرداته بالفعل، ضوء كاشف يسلطه، على ظاهرة أو حالة، أو واقع. وسوف أقوم إن شاء الله بنشر موضوع أخر، يتمم هذه الدراسة المختصرة المبسطة. البعيدة عن العضلة الثقافية. أدون به مجموعة من الومضات التي يمكن أن تكون أنطلاقة لكل قلم في بداية وعيه الشعري.