الفضاء هو فراغ خال من الهواء، وهذا يعني أنه -على عكس الأرض- لا يوجد غلاف جوي ولا ضغط لجزيئات الهواء، حيث يحدد الضغط الجوي درجات الحرارة التي تغلي فيها السوائل وتتحول إلى الحالة الغازية.


التعرض للفراغ بدون بذلة واقية يفقد الإنسان الوعي في غضون 10 ثوان (غيتي)
تخيل أنك رائد فضاء وتم إلقاؤك عن طريق الخطأ إلى خارج مركبتك الفضائية من غرفة معادلة الضغط. حسب ظنك، ماذا سيحدث لجسمك حينما يتعرض لفراغ الفضاء بدون البذلة التي توفر لك الحماية اللازمة؟
تقول جاكلين كوان -في مقالها على موقع "لايف ساينس" (live science)- إن سيناريوهات هوليود تظهر صورا مبالغا فيها لهذا الموقف، حيث تظهر أشخاصا، غير محميين بالخوذات أو بذلات الفضاء، وهم ينفجرون أو يتجمدون على الفور حتى الموت.تضيف كوان "في الواقع، ستكون التأثيرات هي نفسها، لكن بدون مبالغة"؛ فلن ينجو رائد فضاء يطفو بدون بذلة في الفضاء، لكن موته سيحدث في غضون دقائق، وليس في غضون ثوان، وسيكون خروجا غريبا، مع سوائل جسدية في حالة غليان وأنف وفم متجمدين تقريبا.


انعدام الضغط في الفضاء

الفضاء هو فراغ خال من الهواء، وهذا يعني أنه -على عكس الأرض- لا يوجد غلاف جوي ولا ضغط لجزيئات الهواء، حيث يحدد الضغط الجوي درجات الحرارة التي تغلي فيها السوائل وتتحول إلى الحالة الغازية.
إذا كان ضغط الهواء خارج سائل ما مرتفعا -كما هو الحال عند مستوى سطح البحر على الأرض- فمن الصعب تكوين فقاعات الغاز، والارتفاع إلى السطح والهروب. ولكن نظرا لعدم وجود ضغط جوي فعلي في الفضاء، تنخفض درجة غليان السوائل بشكل كبير.


غليان الماء وتبخره من جسدك

يقول الدكتور كريس لينهارت -طبيب الفضاء في إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)- لموقع لايف ساينس "نظرا لأن جسم الإنسان يتكون من 60% من الماء، فهذه مشكلة خطيرة؛ ففي حالة عدم وجود ضغط، سيغلي الماء السائل في أجسامنا، ويتحول على الفور من سائل إلى غاز. كما ستبدأ جميع أنسجة الجسم التي تحتوي على الماء في التمدد".
لقد تعرض بعض البشر بالفعل لحوادث في الفراغ وقد نجوا ليرووا لنا الحكاية.
ففي عام 1966، كان مهندس الفضاء في ناسا، جيم ليبلانك، يساعد في اختبار أداء نماذج البذلات الفضائية في غرفة ضخمة مفرغة من الهواء، وفي مرحلة ما من الاختبار، تم فصل الخرطوم الذي يغذي الهواء المضغوط في بذلته عن طريق الخطأ.
يتذكر ليبلانك الحادثة في حلقة "آلات القمر" (Moon Machines) عام 2008 في المسلسل الوثائقي "بذلة الفضاء" (The Space Suit)؛ فيقول "عندما تعثرت للخلف، شعرت باللعاب على لساني وقد بدأ في تكوين فقاعات قبل أن أفقد الوعي، وهذا تقريبا آخر شيء أتذكره".


داء الغواص

تتكون فقاعات الغاز من سوائل الجسم، أيضا، لدى الغواصين في بعض الحالات؛ يحدث ذلك حينما ينتقل الغواص الذي يسبح في المياه العميقة إلى السطح بسرعة كبيرة جدا وبشكل غير منضبط، لأنهم ينتقلون من بيئة ذات ضغط مرتفع تحت الماء إلى ضغط منخفض على سطح الماء.
وقد يؤدي تكوين الفقاعات الهوائية في الدورة الدموية وفي الأنسجة إلى التسبب في حالة سريرية معقدة تعرف باسم "داء الغواص"، وقد تظهر أعراض شلل.
بالنسبة لرواد الفضاء بدون بذلة، فإن الدم الذي يتدفق عبر الأوردة يغلي بسرعة أقل مقارنة بالماء في الأنسجة لأن نظام الدورة الدموية له ضغط داخلي خاص به، لكن الظهور الهائل للفقاعات الهائل في أنسجة الجسم سيحدث بسرعة.
وفي مراجعة نشرت عام 2013 في مجلة "طب الفضاء والأداء البشري" (Aerospace Medicine and Human Performance)، نظرت في حالات التعرض السابقة للفراغ سواء في الحيوانات أو البشر، اكتشف أنهم فقدوا الوعي في غضون 10 ثوان.
ثم فقد بعضهم السيطرة على المثانة وأنظمة الأمعاء، وأدى التورم في عضلاتهم إلى تقييد تدفق الدم إلى قلوبهم وأدمغتهم، حيث كانت عضلاتهم المتمددة بمثابة قفل للبخار. يقول لينهارت "لا يمكن لأي إنسان أن ينجو من هذا. الموت محتمل في أقل من دقيقتين".


ستختنق وتتجمد

وفقا لـ"كتاب البيانات الحيوية" (bioastronautics data book) الصادر عن وكالة ناسا، إن فراغ الفضاء سيسحب الهواء أيضا من رئتيك، مما يتسبب في اختناقك في غضون دقائق. وبعد اندفاع أولي للهواء إلى الخارج، سيستمر الفراغ في سحب الغاز وبخار الماء من جسمك عبر الممرات الهوائية في جسدك.
وقد ينتج عن الغليان المستمر للماء أيضا تأثير تبريد، حيث إن تبخر جزيئات الماء سيمتص الطاقة الحرارية من جسمك وسيؤدي إلى تجمد الأجزاء القريبة من أنفك وفمك تقريبا. وقد يبرد ما تبقى من جسدك أيضا، لكنه سيكون أبطأ لأنه لن يحدث الكثير من التبخر.
يقول عالم الفيزياء الفلكية بول سوتر لمجلة "فوربس" إن درجة الحرارة هي مقياس لمقدار الطاقة التي يجب أن تتحركها الذرات والجزيئات، ولأن الفضاء فارغ تقريبا، فلا توجد حركة على الإطلاق، مما يجعله "باردا".
هذا يعني أيضا أنه لا توجد مادة في الفضاء لنقل الحرارة إليها. ومع ذلك، يمكن لأي شخص أن يتجمد من تبخر مياه الجسم والفقدان البطيء للحرارة عن طريق الإشعاع المنبعث من الجسم.