يومَ تسقطُ الأقنعةُ، وينكشفُ المستورُ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾[1].



تأمل حال الناس في ذلك اليوم الذي تسقط فيه الأقنعة، وتتجلى الحقائق، وينكشف المستور، وتبلى السرائر.

فكم من عزيز في الدنيا ذليل في الآخرة!

وكم من عظيم في الدنيا حقير مهان في الآخرة!



وكم من كاسية في الدنيا عارية في الآخرة! قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ»[2].



تأمل تلك الوجوه التي كانت منعمة، من دونها تضرب الأستار والكلل.



تأمل تلك الوجوه الحسان التي بالغ أصحابها في تجميلها في الدنيا، وقد علتها كآبة الذلِّ، وغشتيها ظلمة كظلمة الليل البهيم، بما اقترفوا من السَّيِّئَاتِ، وانتهكوا الحرمات؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾[3].



تَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ البدعِ، وَتَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.



تَسْوَدُّ وُجُوهُ من كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ، وتكبروا على أمره؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾[4].



تأمل تلك الكآبة وذلك الحزن التي يملء قلوبهم حتى فاض على وجوههم فأظلمت من شدته.

فياله من شقاء لم يسبقه مثله، ولا يعقبه سرور!



وتأمل أولئك الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ، بما صبروا في الدنيا على طاعة ربهم، وصبروا عن محارمه، حين تضيء وجوهم من البشر كأنها الشمس المشرقة، أو القمر ليلة البدر!



تأمل تلك السعادة التي تملء قلوبهم حتى ظهرت على محياهم.

وتأمل ذلك الرضى الذي فاض من قلوبهم، حتى غمر قسمات وجوههم.

فياله من سرور ليس لم يسبقه مثله، ولا يعقبه كدر!