أسوس جاف أثناء نحتها تمثالا يجسد الفنان شمال صائب
تُسابق النحاتة العراقية أسوس جاف الزّمن، وتتحدى العوائق خلال فترة قصيرة، فتنال لقب "النّحاتة الأولى" على مستوى العراق، بأعمال نحتية تجسّدت بهياكل كبيرة وعملاقة لشخصيات ورموز فنية وأدبية، زيّنت بها أغلب شوارع السليمانية في إقليم كردستان العراق.
منذ نعومة أظفارها، ظهر على جاف -المولودة عام 1989- حبّها وشغفها بعوالم فن النّحت والرسم، لتطوّر نفسها رويدا رويدا إلى أن قدّمت أوّل عمل فني لها عام 2007 بالمركز الخاصّ لنشاطات الشباب في مدينتها الأمّ السليمانية، التي يُطلق عليها لقب "عاصمة الثقافة والفنون" في الإقليم، لتلفت الأنظار نحوها منذ ذلك الوقت.
تمثال أم الأنفال في السليمانية من إنجازات الفنانة أسوس جاف
رموز فنية وأدبية
واستكمالا لمسيرتها ولتتعمّق أكثر في موهبتها، دخلت أسوس قسم النحت في كلية الفنون بجامعة السليمانية وتخرّجت منها عام 2015، لتُكمل بعد ذلك خطواتها الحقيقية والصعبة نحو النجاح، وهذا ما جعلها مميزة على اختلاف النحاتات الأخريات، ليُطلق عليها لقب "النحاتة الأولى" في العراق وكردستان من قبل عدّة منظمات، منها: "باران" و"يارسان" وغيرهما من المنظمات الأخرى.
جسّدت الشابّة العراقية في أعمالها النحتية رموزا وشخصيات أدبية وفنية كردية معروفة، أغنت الأدب والفن والموسيقى الكردية، باستخدام: البليت والبروز والحجر، منهم الفنانون: شمال صائب، وهومر دزيي، ومؤسس اللغة الكردية إبراهيم أمين بالدار وغيرهم، وزيّنت أعمالها الشوارع الرئيسية والطرق والأماكن العامة في السليمانية.
تمثال "الطفلة الصبّاغة" أنجزته أسوس تجسيدا لطفلة نازحة تعمل في مسح الأحذية
الطفلة الصبّاغة
من أكثر الأعمال التي عمّقت الجرح في نفس أسوس وما زالت مؤثرة فيها حتى الآن، تمثال "الطفلة الصبّاغة" الذي أنجزته بعد مشاهدتها طفلة نازحة في أحد أسواق السليمانية تعمل في مسح الأحذية، فقامت بتجسيد هذا الوجع الإنساني إلى عمل فني خالد، وضع بعد استكماله في شارع "مولوي" الشهير بالمدينة.
العمل الوحيد الذي وضعها في مواجهة التحدّي الأصعب، فأصرّت على إنجازه رغم أنه كان يحتاج إلى جهد عضلي وجسدي، هو تمثال "أم الأنفال" الذي وصل ارتفاعه إلى نحو 9 أمتار، وتؤكد في حديثها للجزيرة نت أنها أوّل امرأة نحاتة تنجز عملا فنيا ضخما وعملاقا بهذا الحجم، وهو ما زادها شهرة وتميّزا بين أقرانها.
أسوس أثناء نحتها تمثالا للفنان هومر دزه يي بوجوده
مصادفة غريبة
وتُشارك أغلب النحاتات في أعمال فنية مع غيرهن، سواء من الرجال أو النساء، وهذا ما جعل العراق وكردستان يفتقران لأعمال فنية من صنع النساء حصرا، إلا أن أسوس تُشير إلى أنّها قرّرت منذ بدايتها أن تنجزُ أعمالها وحدها.
ومن المصادفات الغريبة واللافتة التي حدثت مع النحاتة الشابة، هو ما قاله لها الفنان الكردي المعروف "هومر دزه يي" عندما أرادت أن تُخلده بتمثال: إن التماثيل تكون فقط لمن غادروا الحياة وليس للأحياء مثلي. وبعد إصرار منها اقتنع الفنان بإنجاز نحت فني عنه، شريطة أن يُتابع العمل لحظة بلحظة، وتدخّل في أبسط الأمور حتى في شكل شعره وتسريحته، كما تقول أسوس.
وحضرت أسوس في الكثير من المعارض الفنية في أوروبا، إضافة إلى تركيا وإيران وبغداد وكردستان، وحصدت إشادات لتميّزها وإبداعها، ونالت الكثير من الأوسمة والدروع والشهادات.
أسوس جاف أثناء رسمها جدارية
منافسة
اللمسات الفنية التي أضافتها أسوس، أشاد بها المدير السابق لدائرة الثقافة والفنون في السليمانية بابكر دره يي، مؤكدا أنها تستحق بجدارة أن تكون "النحاتة الأولى" على مستوى العراق.
ويؤكد بابكر أن جاف يمكنها أن تنافس بأعمالها النحتية نحاتي العالم والمنطقة من النساء، ويُشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أنها أضافت لمسة واضحة على الفن الكردي، وهذا ما دفع لوضع أعمالها الفنية التي خلّدت بها شخصيات فنية وأدبية وحالات إنسانية، في الأماكن الرئيسية والمُهمّة في السليمانية.
أسوس أثناء نحتها تمثالا للفنان جمال كردي
غياب الدعم الحكومي
وينتقد عضو لجنة الثقافة والشباب والرياضة في برلمان كردستان برهان قانع، غياب الدور والدعم الحكوميين من الجهات المعنية لفئة الشباب، وتحديدا أصحاب المواهب وفي مختلف المجالات الرياضية والفنية والثقافية.
ويدعو عضو اللجنة البرلمانية -في حديثه للجزيرة نت- إلى ضرورة أن تدعم الجهات المعنية، وتحديدا وزارة الثقافة في كردستان، هذه الطاقات الشبابية، وتسهّل أمرها للمشاركة في المحافل الدولية والعالمية، مؤكدا أن خدمة هذه الشريحة يعود بالإيجاب على المجتمع والصالح العام.