سر نمو المحار بشكل متماثل وتناسق اللآلئ بدرجة مذهلة ظل أمرًا يثير حيرة العلماء لعدة قرون. لكن، بحسب ما نشره موقع Science News نقلًا عن دورية الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم، توصل باحثون أستراليون وأميركيون إلى أن نمو اللآلئ في شكل مستدير تمامًا حول حبيبات رملية غير منتظمة الشكل يحدث نتيجة لعملية معقدة للغاية ينتج عنها تكون الأحجار الكريمة. واكتشف الباحثون أن المحار وبلح البحر والرخويات الأخرى تتبع قواعد الرياضيات التي تتجلى في جميع أنحاء الطبيعة.
مادة مُحفزة
وفقًا للتحليل العلمي، الذي نشره الباحثون، تتشكل اللآلئ عندما يتم حبس مادة مُهيجة داخل رخويات، ومن ثم يقوم الحيوان الرخوي بحماية نفسه عن طريق بناء طبقات ناعمة من المعادن والبروتين - تسمى معًا الصدف - حوله. وتتكيف كل طبقة جديدة من الصدف، يتم بناؤها فوق هذا المركز غير المتماثل، بدقة مع تلك التي تسبقها، مما يؤدي إلى تلطيف المخالفات لتؤدي إلى لؤلؤة مستديرة.
تقول بروفيسور لورا أوتر، عالمة الكيمياء الجيولوجية الحيوية في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا: إن "الصدف مادة جميلة للغاية، متقزحة الألوان، ولامعة نراها في أحشاء بعض الأصداف البحرية أو على اللآلئ الخارجية".
قدرتان أساسيتان
اكتشفت أوتر وفريقها البحثي أن النمو المتماثل للؤلؤة أثناء ترسيخها لطبقات من عرق اللؤلؤ يعتمد على الرخويات التي توازن بين قدرتين أساسيتين، هما تصحيح انحرافات النمو، التي تظهر على هيئة أشكال اللؤلؤ، مما يمنع تلك الاختلافات من الانتشار فوق طبقات اللؤلؤ المتعددة، وإلا فإن الأحجار الكريمة الناتجة ستكون غير متوازنة. أما القدرة الثانية فهي أن الحيوان الرخوي يقوم بتعديل سمك طبقات الصدف، بحيث إذا كانت طبقة واحدة سميكة بشكل خاص، فإن الطبقات اللاحقة ستكون أرق في الاستجابة. وتساعد تلك العملية اللؤلؤة في الحفاظ على متوسط سمك مماثل على آلاف طبقاتها بحيث تبدو مستديرة وموحدة تمامًا. وأوضح الباحثون أنه بدون هذا التعديل المستمر، يمكن أن تشبه اللؤلؤة الصخور الرسوبية الطبقية، مما يضخم العيوب الصغيرة التي تنتقص من شكلها الكروي.
2615 طبقة
درس الباحثون لآلئ كيشي، التي تم جمعها من محار أكويا اللؤلؤي (Pinctada imbricata fucata) في مزرعة لؤلؤ ساحلية شرق أستراليا. وتم استخدام منشارًا سلكيًا ماسيًا لتقطيع اللؤلؤ إلى مقاطع عرضية، ثم جرى صقل وفحص الأحجار الكريمة باستخدام مقياس رامان الطيفي، وهي تقنية تسمح بتوصيف بنية اللؤلؤ دون تدمير أي من طبقاته، التي وصلت في واحدة من اللآلئ المعروضة في الورقة البحثية إلى 2615 طبقة، والتي تم ترسيبها على مدار 548 يومًا.
ظاهرة الضوضاء الوردية
أظهر التحليل أن التقلبات في سمك طبقات اللؤلؤ تكشف عن ظاهرة تسمى ضوضاء 1 / f، أو الضوضاء الوردية، حيث ترتبط الأحداث التي تبدو عشوائية فعليًا. يقول الباحث المشارك في الدراسة روبرت هوفدين، عالم المواد والمهندس في جامعة ميشيغان في آن أربور، إنه في هذه الحالة، يمكن أن يظهر تكوين طبقات الصدف ذات السماكات المختلفة عشوائيًا، ولكنه في الواقع يعتمد على سمك الطبقات السابقة. وتنطبق الظاهرة نفسها على النشاط الزلزالي، إذ يبدو هدير الأرض عشوائيًا، ولكنه في الواقع مرتبط بالنشاط الزلزالي الأخير السابق. وتظهر الضوضاء الوردية أيضًا في الموسيقى الكلاسيكية وحتى عند مراقبة دقات القلب ونشاط الدماغ. ويضيف هوفدن قائلًا إن هذه الظواهر "تنتمي إلى فئة عالمية من السلوكيات والفيزياء".
شفاء ذاتي وصلابة مدهشة
يقول بوبا غيلبرت، فيزيائي في جامعة ويسكونسن ماديسون والذي لم يشارك في الدراسة: تعد هذه هي المرة الأولى التي يكتشف فيها الباحثون "أن الصدف يشفي ذاتيًا وعندما يظهر خلل، فإنه يشفي نفسه في بضع [طبقات]، دون استخدام سقالات أو قالب خارجي" مشيرًا إلى أن "الصدف مادة رائعة أكثر مما كنا نقدره من قبل، حيث إن هذه المخلوقات المتواضعة تصنع مادة فائقة الصلابة وخفيفة الوزن بسهولة أكبر وأفضل مما نفعله بكل تقنياتنا. إن الصدف هو عبارة عن مادة مصنوع من الكالسيوم والكربونات والبروتين فقط، لكنه أقوى 3000 مرة من المواد، التي يصنع منها".
إلهام لصناعات مستقبلية
ويقول هوفدن إن هذا الفهم الجديد للؤلؤ يمكن أن يلهم العلماء لصناعة "الجيل القادم من المواد الفائقة" الصلابة، كي يتم استخدامها في صناعة الألواح الشمسية الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة أو المواد الصلبة والمقاومة للحرارة المُحسَّنة للاستخدام في المركبات الفضائية.