البرق ظاهرة طبيعية شائعة ويكون غالبا خطرا (بيكسابي)
من المعروف أن ما لا يقل عن 4500 شخص يموتون بسبب البرق كل عام، وقد يمتد الرقم في بعض التقديرات إلى عشرات الآلاف. ولا توجد بيانات جيدة عن الموت الناجم عن الصعق الكهربائي الطبيعي؛ نظرا لحدوث العديد من الصواعق في أماكن نائية، وليس من السهل دائما جمع الأدلة على مثل هذه الوفيات.
عندما يصطدم البرق بجسم إنسان يترك مجموعة من الأدلة المادية على الجسد، التي يمكن أن تحدد سبب الوفاة في النهاية؛ مثل تلف الجلد، وعلامات الحروق، فضلا عن الصدمات التي تلحق بأعضاء مختلفة من الجسم، ولكن هل يترك البرق أي أثر واضح على الهيكل العظمي إذا تحللت كل الأنسجة؟
وفقا لدراسة جديدة نشرت في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري بدورية "فورينسك ساينس إنترناشينوال: سينرجي" (Forensic Science International: Synergy)، فالإجابة هي: نعم.
ضربة البرق تظهر انقسام أنسجة العظام عن طريق موجة الضغط الداخلية (فورينسك ساينس إنترناشينوال: سينرجي)
فك ألغاز ضربات الصواعق القاتلة
قام فريق دولي من الباحثين المتخصصين في أنثروبولوجيا الطب الشرعي، وعلم الأنسجة، وفيزياء البرق، والتصوير المقطعي المحوسب بالأشعة السينية من جامعات ويتواترسراند (Witwatersrand University) في جنوب أفريقيا، ونورثمبريا (Northumbria University) في المملكة المتحدة، ومؤسسة الطاقة النووية في جنوب أفريقيا؛ بالكشف عن ألغاز ضربات الصواعق القاتلة.
وحسب تقرير نشره بعض أفراد الفريق البحثي على موقع "ذا كونفرزيشن" (The Conversation)؛ يمكن أن يتسبب التيار الكهربائي الهائل في توقف القلب والجهاز التنفسي، فضلا عن الأضرار العصبية، وقد تتمزق طبلة الأذن، وقد تتكسر العظام، وتكون هناك حروق كهربائية شديدة في مواقع دخول وخروج التيار الكهربائي.
وعند الاشتباه في حدوث وفاة خاطفة يحدد اختصاصيو الطب الشرعي سبب الوفاة من خلال البحث عن علامات الصدمة الصاعقة في جلد المتوفى وأعضائه الداخلية.
الصدمات الدقيقة الناتجة عن مرور تيار كهربائي (يمين) مقارنة بعظام سليمة (فورينسك ساينس إنترناشينوال: سينرجي)
وبدأ الباحثون دراستهم بسؤال بسيط عن السبب والنتيجة: هل يترك البرق آثارا مميزة عند المرور عبر الهيكل العظمي؟ ثم قاموا بعد ذلك بإنتاج البرق الاصطناعي في المختبر وطبقوه مباشرة على عينات العظام البشرية المستخرجة من الجثث المتبرع بها التي ماتت لأسباب طبيعية.
وصمم الباحثون مولدا للنبضات عالية التيار يمكنه توصيل ما يصل إلى 15 ألف أمبير للعظام في بضع ثوانٍ، وسمح بتقليد تأثير البرق الذي يمر عبر الهيكل العظمي. ورغم أن البرق الطبيعي يمكن أن يحتوي في كثير من الأحيان على مستويات تيار أعلى من هذا بكثير، فإن هذا الإعداد التجريبي وفّر لهم محاكاة محكّمة ودقيقة للبرق.
وبمجرد تطبيق التيار، قاموا بتقطيع العظام إلى شرائح رقيقة وتصويرها باستخدام الفحص المجهري البصري والتصوير المقطعي المحوسب، ووجدوا أن هناك نمطا من الضرر ناتجا بشكل فريد عن تيار البرق قصير المدى الذي يمر عبر خلايا العظام.
واتخذ هذا الضرر شكل تشققات تشع من مركز القنوات في العظام، أو تقفز بشكل غير منتظم بين مجموعات الخلايا، وهو مشابه لنمط الصدمة في الحيوانات التي قتلت بواسطة البرق الطبيعي رغم اختلاف البنية الدقيقة لعظام الإنسان اختلافا كبيرا عن عظامها.
مخاطر الصواعق
البرق ظاهرة طبيعية شائعة، ويكون غالبا خطرا، والبرق هو أحد أقوى مصادر الطاقة في الطبيعة، وتشير التقديرات التقريبية إلى كثافة وميض البرق في جميع أنحاء العالم بمقدار 6 ومضات/كيلومتر مربع/سنة، ولوحظ ارتفاع كثافة وميض البرق في بعض البلدان مثل جنوب أفريقيا التي يموت فيها أكثر من 250 شخصا بسبب الصواعق سنويا.
ويمكن أن تؤدي الصواعق إلى خسائر مادية كبيرة، وكذلك خسائر في الأرواح، والعدد الدقيق للوفيات غير واضح، لكن أحدث التقديرات المتاحة من 28 دولة تشير إلى أن ما بين 4429 و24 ألف وفاة بسبب الصواعق سنويا في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، تتورط الصواعق في نفوق الماشية والحيوانات، مما يؤدي إلى تكاليف مالية كبيرة.
ويمكن أن يساعد هذا البحث الجديد فرق الطب الشرعي على فهم إذا كان الناس أو الحيوانات ضحايا لضربات البرق القاتلة بناء على تحليل الهياكل العظمية فقط، وقد يسمح للخبراء ببناء صورة أكثر اكتمالا للوفاة الحقيقية نتيجة ضربات الصواعق.