العدل جوهرالتوحيد
قرن التوحيد في العقيدة الإسلامية بالعدل الإلهي الذي اعتبر الأصل الثاني فيها وعلى الصعيد الاعتقادي يعتبر هذا الإجراء ضروريا لان العدل جوهر التوحيد وبدونه يفقد التوحيد أهميته العقائدية ، وتتحول مدلولاته الاجتماعية إلى مدلولات سلبية تلعب دورا عكسيا في الحياة الإنسانية ويلعب هذا الأصل دورا مهما في تدعيم فكرة العالمية الإسلامية ، ويشكل رفدا عقائديا جديدا لها ويساعد على تحويلها إلى صورة نقية وحتمية في التفكير الإسلامي ، لان العنصرية التي وجدناها تلتئم مع الشرك وتجد ميدانها الطبيعي فيه عندما يفرض التوحيد نفسه أمامها تحاول اختراق جداره وتأكيد وجودها في إطاره بصورة غير شرعية وذلك من خلال فصل العدل عنه ، ونسبة الظلم إليه كأرضية مناسبة للظهور من خلال هذه النسبة ، فكما تتكون العالمية فى أحشاء التوحيد وتتأكد بالعدل ، تتكون العنصرية في أحشاء الظلم وتلتئم مع الشرك .
ان توصيف الإله بالعدل المطلق يعني في الحياة الاجتماعية استحالة الافتراض بحقه انه يؤثر قوما على آخرين أو ينحاز لقبيلة من دون أخرى أو يتحزب لامة ضد ثانية ، لان هذا الافتراض يحوله إلى اله عنصري ظالم وهو ما يتنافى مع الكلمة المطلقة والفضيلة المطلقة التي لابد من اتصاف الإله بهما لأنهما من ضرورات الالوهية بل ان التصور الإسلامي يقوم على أساس ان صفات الخالق هي عين الخالق ولا مجال للاثنينية بين الذات والصفات ونتيجة لذلك فان نفي العدل عن الخالق يؤدي إلى نفي التوحيد نفيا حقيقيا اذ لا وجود لحقيقة تتصف بالالوهية والظلم في الوقت نفسه الا في مخيلة انسان يسودها الانحراف ، وهكذا ينتهي نفي العدل عن الاله إلى الوقوع في الشرك ، وهذا وجه ما قررناه سابقا من ان العنصرية سبب تام للشرك .
من هنا أكد القرآن الكريم على نفي الظلم عن الله سبحانه وتعالى في 37 آية نفيا صريحا ، عدا ما ورد من النفي الضمني فان صورة الاله الظالم العنصري لا تقل بشاعة عن صورة الشرك ففي الشرك صورة الحياة التي فتحت أبوابها للراغبين في الاستعلاء والتكبر والتعصب على من سواهم وفي الظلم صورة لحياة يهيمن عليها ذلك الاله الذي يفضل قوما على آخرين ، ويغرس العصبية والاستعلاء في امة ضد أخرى ، فتكون العنصرية واقعا مشروعا وأكثر دفعا وزخما .
ان اقتران العدل بالتوحيد يعتبر من اروع مظاهر التكامل في الاسلام ، فالتوحيد يوجد اقوى عامل مشترك بين أفراد النوع الإنساني واقوي شعور بالوحدة الإنسانية والعدل الالهي يقمع اية محاولة شعورية أو لا شعورية تهدف إلى التمرد على هذه الوحدة بدافع الأنانية والاستعلاء أو بمبررات التفوق العنصري ، فالأصلان يتكاملان في السعي لصنع المجتمع العالمي في الإسلام .