(قلعة هندمينى) في مدينة بدره
بهرام كريمي
لعدم توفر الوثائق التاريخية مثل الكتابات الأثرية والنقوش الحجرية لانستطيع أن نتعرف على الآثار المتبقية من مدينة تعرف بـ(ده روه ن) . لم تجر أية اكتشافات أثرية في هذه المنطقة وان كانت هناك محاولات في هذا السبيل فانها لم تصل الينا.
الباحثين والسياح الأجانب زاروا بشتكوه (ايلام الحالية) في العهد المعاصر لم يوجهوا عنايتهم الى هذه المدينة الأثرية لأحتمال عدم وقوع هذه المدينة في مسالك طرقهم ، الموقع الجغرافي الخاص لهذه المدينة الأثرية والتي هي على شكل قلعة حصينة جداً غير قابلة للأختراق وهذا قد يكون أحدالأسباب لعدم شهرتها.
لم تصل لحد الآن أية لوحة أثرية أو كتابات أو مخطوطات الينا كي نستطيع أن نحكم على تاريخ وثقافة وفن العمران في هذا المكان .
القبور القديمة المدفونة تحت الثرى تخلو من رموز وكتابات ونقوش وبرأي الباحثة استارك والتي (زارت منطقة بدره في العصور الأخيرة) ربما تعود هذه القبور الى عصر الفلزات ، هناك قبور أخرى في هذه المنطقة تعود الى العصور الأسلامية وأقدمها تعود الى عهد الدولة الزندية فيما الشواهد التاريخية تؤكد على ان هذه المدينة كانت عامرة ومأهولة بالسكان في العهد الصفوي وحتى آواخر عصر رضاخان البهلوي .
الجغرافية التاريخية لمدينة بدره ان مايتعلق بالموقع النسبي للمدينة فهي تقع الى الشمال الشرقي من محافظة ايلام ، تحدها من الجنوب مدينة درّه شهر ومن الشرق نهر سيمره ومحافظة لرستان ومن الغرب جبال كبيركوه . نهر سيمره وجبال كبيركوه يشخصان الحدود الطبيعية للمدينة مع جيرانها في الشرق والغرب ، أما بالنسبة لموقعها المطلق فهي تقع على درجة 3 3 عرض شمالاً و47 طول شرقاً . منطقة بدره تقع بين سلاسل جبال زاكروس وتشكل جزءً من الألتواءات الجنوبية والجنوبية الغربية لسلسلة جبال كبير كوه ، هذين الالتوائين يبتعدان عن بعضهما من طرف الشمال الغربي وفي وسطها تتشكل إلتوائات أخرى وفي منخفضات هذين الألتوائين تنتشر القرى على مساحة 80 كم طولاً و8 كم عرضاً .
من ناحية التقسيمات السياسية والأدارية فهي أحدى نواحي مدينة درّه شهر وتشمل قريتين كبيرتين هما (دوستان وهندمينى) . يبلغ نفوس مدينة بدره 16604 ألف نسمة حسب آخر إحصائية لعــام 1997 م. الموقع الجغرافي لمدينة دَرْوَن الأثرية مدينة دَرْوَن الأثرية عبارة عن قلعة طبيعية تقع على السفح الشمالي لسلسة جبال كبيركوه وعلى الجنوب من مدينة بدره ، الأثار التاريخية لهذه المدينة تشغل مساحة من الأرض تقدر 500 م طولاً و300 م عرضاً ونظراً لقلة المساحة والتربة اضطر أهالي المدينة الى اقامة سطوح على المنحدرات على شكل مدرجات بواسطة الأحجار ثم شيدّوا أبنيتهم على سطوح هذه المدرجات .
لقد أطلقوا لفظة (ده روه ن) على هذا المكان وذلك لوقوعها في وادٍ آمن من محفوظ وغير قابل للنفوذ وهو ايضاً يعرف بقلعة (هندمينى) فيما النصوص التاريخية لعصر الصفوي تشير الى هذه المنطقة باسم قلعة هندوباي (منجم يزدي 1988 :ص 159-158) وهذمين(تركمان ،1970ص 499) وهندمينى (استارك ،1986 :ص 148) . الآثار التاريخية لمدينة دَرْوَن (قلعة هندميني) ان مدينة دَرْوَن ومحيطها لم تجر فيها لحد الآن أية تنقيبات أثرية ومعلوماتنا محدودة حول قدم وأهمية أثرية المدينة وبحثنا هذا يعتمد على ماشاهدناه من الآثار الموجودة في المنطقة التي توصلنا اليها من خلال البحث والتحقيق واللقاءات مع المعمرين ووجهاء المنطقة الى جانب الشواهد والقرائن التي تشير على إن القلعة كانت عامرة وآمنة لعدم التمكن من اختراقها والقلعة كانت تحتوي على خمسة بوابات رئيسية لكل واحدة منها عدة حراس كانوا على إتصال مع البعض يحمون القلعة .
البوابة الشمالية والمعروفة ببوابة (فراش) هي من اكبر البوابات للدخول والخروج من القلعة ، من جهة الدخول الى القلعة هناك وادي ٌ كان يعرف بنفس الأسم (فراش) يبدأ من البوابة وينتهي عند كهف يعرف بالقلاع في الجهة الشرقية للوادي هذا الطريق الذي يبلغ طوله 500 م والمرصفة بالأحجار ويضم عدد من محطات الأستراحة وذلك إشارة الى ان الحركة كانت فيها دائبة لأن الطريق كان يرتبط بالقلعة التي كانت تقيم فيها حاكم المدينة والطريق يؤدي نهايته الى بوابة تعرف بـ(ماكاني) وعلى أمتداد الطريق توجد عينان للماء العذب احداهما بـ(كيمو) والأخرى (آيره) .
وهناك ايضاً قبور كثيرة ونستنتج من الفخار الموجود في هذه المنطقة بأن هذه القبور لاتعود الى العصور الأسلامية ، إضافة الى هذه الآثار هناك محلة تعرف بـ(جهل ميخي) أي أربعون مسمار وفيها آثار لأبنية بأبعاد 3*3 م مبنية من قطع الأحجار والجص ، بجانب هذه الأبنية نلاحظ عدد من أحجار الطابوق (الآجر) ذات اللون القهوائي والظاهر كانت تستخدم لترصيف الأرض. ومن أهم الآثار التي نلاحظها في هذا القسم غار بطول 100 م تقريباً وبعرض 20 م وارتفاع 30 م وعلى أطرافها نلاحظ مخازن للحبوب يصعب الوصول إليها ، الشواهد العينية تدل على ان هذه المخازن كانت مخصصة لخزن المؤن ، وكانت بالقرب من محل سكن الحاكم وتدار من قبله ، وفي أطراف هذا الغار نجد آثاراً لأبنية من المحتمل انها كانت مكونة من عدة طوابق شكل الأبنية ، نوع الطوق وأشكالها الهندسية المنتظمة تدل على دقة ومهارة المعماريين لهذه الأبنية (كريمي ،2000 :ص 92-93) في هذا المحيط الأثري نلاحظ ثلاث مجموعات للمجمعات السكنية في الجناح الجنوب الشرقي للوادي ، وهذا الجناح يبعد عن خط القمة 150 م .
هذه الآثار شيدت على أراضٍ سطحت بصورة مدرجات في أحدى هذه المجموعات توجد أربعة عشر طاقاً على شكل رديفين وكل رديف يحتوي سبعة طوق ، يتوسط الرديفين ممراً ينفتح عليها أبواب الغرف جميعاً (محموديان ،1999 : ص 65-64) ؟. لاتوجد لدينا معلومات عن تفاصيل فن العمارة لهذه الأبنية ، السوق شيدت بواسطة الأحجار والجص ، عرض الطوق متفاوتة وقسم من الجدران تتكون من صخور طبيعية ، الأبنية لم تشيد على قاعدة هندسية معينة ، عرض الجدران يبلغ 50-60 سم وكان بناء مقسم الى غرفتين بقياس 4*4 ومعظم الأبنية لديها شرف ، وتتوسط الأبنية أزقة . نظراً للموقع الجغرافي والجبلي للمنطقة فأن أماكن مجرى المياه شيدت لها سدوداً إصطناعية بواسطة الأحجار والجص ، وكلما ابتعدنا عن شرف الوادي بأتجاه الغرب فأن حجم الأبنية يقل شيئاً فشيئاً حتى نلاحظ أبنية صغيرة في حجمها وسمك جدرانها ، من المحتمل كانت تعود الى الطبقات الأدنى للمجتمع .
في بوابة الوادي الرئيسية هناك قبرٌ يعرف بـ(شاه رنكي) ومن المحتمل ايضاً (ركن الدين) ومبني بالصخور والجص وكان مزاراً وملاذاً للأشخاص الذين لديهم مرضى طلباً للشفاء . في الخد الغربي للوادي توجد بوابة تعرف ببوابة (آشو) اي البسيط ، بين بوابتي (ماكان) و(آسو) التي تعتبر أعلى نقطة القلعة هناك عين للماء تعرف بسراب (هليس) هذه العين تلبي احتياجات سكان المنطقة من الماء. وفي الجهة اليمنى للعين توجد هناك بوابة خامسة تعرف ببوابة (جووني) كان يصعب العبور منها وكانت مصنوعة من الخشب ولهذا سمي بهذا الأسم . من خلال مشاهدة الآثار المتبقية مثل : الأبنية ، الأزقة ، القبور ، خزانات الماء ومخازن الحبوب نكتشف بأن سكان القلعة كانوا أناساً في غاية النشاط والكفاءة والذوق الى جانب ذلك إنهم أيضاً كانوا فلاحون مهرة وذلك لمهارتهم في تستطيح وسقي الأراضي وشقوا مجريين للماء من كلا جانبي العين التي منها عملوا جداول صغيرة للماء التي من خلالها تطورت الزراعة فأنشأوا بساتين ٌ للفاكهة كالعنب والرمان والتين والتوت بالأضافة الى زراعة الغلات من الحنطة والشعير والبقوليات من العدس والماش والحمص وغيرها ، وبعد إحداث الأنهار والمدرجات على السفوح المنحدرة استطاعوا أن يستفيدوا من كل شبرٍ من مساحة هذا الوادي التي كانت صغيرة جداً بالمقارنة مع حجم سكانه. إن الآثار الموجودة في هذه القلعة والتي تعود لأكثر من عشرون طاحنة تدل على ان المنطقة كانت تقطنها أكثر من الف شخص عندما كانت المنطقة مأهولة بالسكان ،وان أكثر مطاحن المنطقة كانت تقع في محلة (برافتات) أي شرق الوادي ، وعن طريق الدراسات والمقابلات مع الوجهاء تمكننا من التعرف على عدد من أسماء المطاحن مثل :
مطاحن المهدي ، زريان ،نوح ، همايون ، كلنك كن ، ذو الفقار ولفانه.
في هذه المنطقة الأثرية توجد خمس عيون للمياه الكلسية ، كل واحد منها تقع إما في داخل غار أو تحت صخرة كبيرة ولأجل الاستفادة الكبيرة من هذه المياه قاموا ببناء خزانات لها ومن هذه العيون (كيمو) اي الكيمياء ، آرِه ، وِيَر ، درمان وباوه سليمان .
كما ان الدلائل تشير على إن مياه الشرب كانت بمعزل عن مياه السقي والري. ونظراً لوجود العوامل الطبيعية (المياه ، التربة ، المناخ الملائم) والعوامل الأمنية والروحية مثل وجود (مقبرتي شارنكي وخدر أو خضر) كانت تمهد الأرضية المناسبة للسكن والعمران (كريمي ،2000 : ص 93). وعلى الرغم من عدم إجراء دراسات أثرية في هذه المنطقة وعدم ذكرها في الكتب التاريخية والجغرافية إلا إننا نستطيع أن نفهم من خلال القطع الحديدية الموجودة بكثره في هذا الوادي ومن القبور القديمة والمغطاة بألواح حجرية كبيرة ، نكتشف بأنها منطقة آهلة في الألف الأول ق .م ، أي في عصر الفلزات (استارك ، 1986 :647). الأبنية ، الأزقة ، مخازن الحبوب والمطاحن المائية وخصوصاً آثار الرحى المتبقية في هذا الوادي تدل على قدمها .
ومن خلال الآثار يظهر إن سكان هذه القلعة كانت لديهم علاقة وطيدة بالصيد والفروسية والقتال واسلحتهم كانت عباةر عن سيوف وأقواس . الاستفادة من الأحجار الكبيرة وترصيفها ، وبناء المدرجات على السطوح المائلة لكثرة السكان وقلة التربة من جملة الأمور التي تؤيد بأن ابنائها كانو ذو ذوق وقدرات بدنية كبيرة ، الآثار الباقية من هشيم الخزف الأحمر في هذا الوادي تحكي عن استخدام الناس في هذه المنطقة للجره والأواني الخزفية . الأقوام التي سكنوا هذه القلعة اكتفوا بتهيئة ماأحتاجوه ذاتياً ولم تكن لديهم سوى علاقات اقتصادية محدودة مع الأقوام الأخرى المجاورة.
أما مايتعلق بجذور الأقوام والطوائف التي سكنت هذه القلعة ليست لدينا معلومات كافية وكل مانعلمه انهم كانوا من الأقوام الأيرانية الأصيلة في غرب ايران واذا اسلمنا بهذا الأمر بان قبيلتي (لارتي وهندميني) من اقدم قبائل امارة بيشتكوه (استارك 1986 ص 128) فان سكنة تلك القلعة النائية هم نفس الأقوام التي تسكن حالياً ناحية هندميني ، وهذه الأقوام تتألف من (بايون(بالاوند) ، سراج ، كبود ، بيرالي ، لايزيدي ، آهنكران، ملك ، متي ، جوبتراش وبرابري.