يقول باحثون إن معارف السكان الأصليين تتضمن حلولا غير تقليدية لمشكلات المناخ والبيئة (بيكسلز)
مع تزايد الوعي بمشكلات البيئة وتفاقم معدلات الاحتباس الحراري في شتى أنحاء العالم، تكتسي معرفة السكان الأصليين أهمية متزايدة نظرا لحساسية مجتمعات السكان الفائقة للطبيعة، ومع ذلك تبدو هذه المعرفة المهمة والمكاسب مهددة بالاندثار مع فقدان تراثهم وتحول لغات السكان الأصليين للغات مهددة بالانقراض بشكل متزايد.
تدور أحداث رواية "الكثبان" (1965) لكاتب الخيال العلمي الأميركي فرانك هربرت في كوكب صحراوي، حيث تنتشر التوابل الثمينة والأدوية المخدرة والرؤى الغامضة والاغتيالات السياسية.
وتنتمي الرواية -التي ينظر إليها باعتبارها من أشهر روائع أدب الخيال العلمي- لأحداث تجري في المستقبل البعيد وشخصيات مثل إقطاعيي النجوم وطبقة النبلاء الذين يسيطرون على الكواكب المفردة، ويدينون بالولاء لإمبراطورية كبيرة ،وتكشف تفاعلات إنسانية في صراع من أجل السيطرة على التوابل.
وفي تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" (The New York Times) الأميركية، قال الكاتب دانيال إميروار إن هذه الرواية لها ملايين القراء المخلصين، وتحولت إلى فيلم سينمائي للمخرج دينيس فيلنوف حظي بإشادة النقاد وتقديرهم، "لصلته المعاصرة الواضحة" بالموضوعات البيئية، ولكن رواية هربرت عن تغير المناخ ليست غريبة على عصرنا.
كيف توقع هربرت مأزقنا؟
عانت المجتمعات الأصلية من بعض أسوأ الأضرار البيئية في منتصف القرن الماضي بالولايات المتحدة، وكان هربرت على اتصال وثيق بقبيلتي "كويلوت" و"الهوه" في شبه الجزيرة الأولمبية في غرب ولاية واشنطن. وقد نبّهه دعاة حماية البيئة من السكان الأصليين إلى مقدار الضرر الذي أحدثته الصناعة، وهو تحذير نقله هربرت في روايته المؤثرة.
كان هربرت (1920-1986) مهتما بقضايا الأميركيين الأصليين منذ البداية، وأثناء ممارسة هواية الصيد بالقرب من منزله في غرب واشنطن، التقى برجل من شعب "الهوه"، وذلك حسب ما نقله نجل هربرت وكاتب سيرته الذاتية بريان هربرت.
استمر هربرت في التعلم من خلال صداقته الوثيقة مع خبير البيئة هوارد هانسن، الذي عاش حياته "بناءً على تعاليم قبيلة كويلوت". كان هانسن من أفضل أصدقاء هربرت، وكان أيضا كاتبا مثله. وفي الوقت الذي كان فيه هربرت يؤلف رواية "الكثبان"، كان هانسن يؤلف كتابه الخاص، وهو مذكرات بعنوان "الشفق على طائر الرعد".
ويخبرنا كتاب هانسن كيف غيرت شركات قطع الأخشاب التي يديرها البيض مدينة لا بوش (شمال غرب ولاية واشنطن). وكتب هانسن أنها كانت بمثابة "مذبحة" تحولت فيها الغابة الكثيفة الرطبة إلى "أرض قاحلة".
قصة الدمار البيئي
شارك هانسن قصة الدمار البيئي مع هربرت، وشاركه أيضا محتويات كتاب علم البيئة الذي استعاره من صديق من القبائل الأصلية، محذرا من أن مصيرا مشابها قد ينتظر العالم بأسره.
وقال هربرت إن "الرجال البيض يدمرون الأرض وسوف يحولون هذا الكوكب كله إلى أرض قاحلة، تماما مثل شمال أفريقيا". وعلى الرغم من "اندهاشه" في البداية من هذا الموقف، فإن هربرت وافق هانسن الرأي ردا على فكرة أن العالم سيصبح "كثيبا كبيرا"، وذلك وفقا لبريان نجل هربرت.
وبحسب فهم بريان هربرت، فقد استندت البيئة في رواية "الكثبان" جزئيا على المحادثات بين السيد هانسن ووالده. وفي الواقع، يبرز افتتان هربرت بمجتمعات السكان الأصليين في روايته، فقد كانت الشعوب الأصلية في طليعة مناصرة البيئة في أيام هربرت، ولا تزال كذلك. وكما تنبأ هوارد هانسن، فقد توسع هذا المقياس.
أرض قاحلة
لم تعد البرية فقط بحاجة إلى الحماية وإنما أيضا التوازن الدقيق للغازات في غلافنا الجوي. لعب النشطاء الأصليون دورا في ذلك، حيث قادوا المقاومة ضد عمليات استخراج الوقود الأحفوري في احتجاجات هائلة ضد خط أنابيب الوصول إلى داكوتا في محمية "ستاندينغ روك".
كان للوقود الأحفوري والأضرار التي يسببها تأثير كبير على قبيلة "كويلوت"، التي تعاني من تداعيات بعض أسوأ التغيرات المناخية. فقد تسبب ارتفاع المد والجزر إلى جانب إزالة الغابات في تعريض لا بوش لخطر الفيضانات الكارثية.
وعموما، ألهمت تداعيات إزالة الغابات في لا بوش هوارد هانسن لتحذير فرانك هربرت من أن العالم قد يصبح "أرضا قاحلة"، ومن خلال إسهامات هانسن، كتب هربرت رواية "الكثبان". لقد كانت روايةً استشرافية إذ ساعدت القراء على التفكير في البيئة على نطاق أوسع يتجاوز البحيرات أو الغابات ليشمل الكواكب بأكملها.
معارف السكان الأصليين
تقدم المعارف التقليدية للسكان الأصليين نظرة أكثر شمولية وسياقية عبر طرق مختلفة من الملاحظة والتفكير وليس فقط التجريب والتخصص، ومن أمثلة هذه المعارف تقنيات تستخدم حاليا في الزراعة والصحة، ومنها الطب التقليدي الذي نشأ في شبه القارة الهندية، والمعروف باسم "الأيورفيدا" والوخز بالإبر الصينية الذي صار معروفا جدا في الوقت الحالي، بحسب تقرير سابق للجزيرة نت.
ويرى الأكاديمي الأميركي تيوا كاجيتي في كتابه "العلوم المحلية للسكان الأصليين" أن "العلوم الأصلية" تتولد من المشاركة الحية مع الطبيعة، وتشكل تراثا من التجربة الإنسانية مع العالم الطبيعي، من خلال استعارة مجموعة عمليات الإدراك والتفكير والتمثيل والتعرف التي تطورت مع تجربة الإنسان، ويشير لأهمية القصص الشفهية لتدريس العلوم رغم اعتبارها غير جادة وغير علمية بدرجة كافية من قبل كثيرين.