علي الغزوي.. يفخر بـ “صندقة سالم”.. ويتباهى: أنا في التجارة قديحي.. حضرمي
لا تجارة بلا خسارة.. ولا نجاح بلا مجازفة
القطيف: شذى المرزوق
من “صندقة” خشب في “زَرنُوق” ضيّق في الحي المعروف بـ “فريق السّدرة”؛ بدأت الحكاية. وبفساتين أطفال وحقائب رخيصة وألعاب صغيرة؛ وجد الأخ الأكبر “أحمد” طريقة لجعل “دكان سالم” اسماً جاذباً لنساء البلدة.
إنه العام 1978م؛ حين بدأ الشاب اليافع مشروعاً عائلياً صغيراً، يتناوب على “التبسيط فيه” الأخوة الكبار، لمساعدة الوالد في مواجهة أعباء الحياة. يشتري الأخ الأكبر البضاعة من بائعي الجملة في سوق “ميّاس” مدينة القطيف، ويبيعها وأخوته بالمفرّق في تلك “الصندقة”.
بعد أكثر من 45 سنة؛ ما زال “أولاد سالم” يفخرون بتلك “الصندقة”، لأنها الأساس الأول لـ “الغزوي فاشن”؛ بوصفه واحداً من أكبر المجمعات التجارية المتخصصة في الملبوسات على مستوى المنطقة الشرقية. السلع التي كان الأخ الأكبر يشتريها من “ميّاس”؛ صارت تأتي من الصين وتركيا وسوريا ولبنان..
وطيلة 45 سنة؛ لم تكن الرحلة مفروشة بسجّادات حمراء، ولم تكن “الفلوس” تنمو وحدها. ما كان يحدث؛ هو سلسلة مخاطرات ومغامرات وكدح لا يتوقف، جرّب فيها “أولاد سالم” مرارة الخسارة حيناً، ولذة الأرباح حيناً، حتى فرضوا اسم “الغزوي فاشن” وبصمته وسلعه وبضائعه في أسواق القطيف.
أحمد سالم.. الأخ الأكبر عام 1402
أسرة كادحة
في بيت صغير جداً، لا تتجاوز مساحته 30 متراً مربعاً، نشأ 6 من الأبناء و7 من البنات، تحت ظل والد سعى إلى تأمين حياة الكفاف لأسرته. ومن الطبيعي، أن يُدرك الابن الأكبر حجم المسؤولية الملقاة على والده؛ فيسعى إلى مساندته عبر عمل يزاوله. واختار “أحمد” العمل الحرّ، بائع ملابس، في زقاقٍ لا يصل عرضه 3 أمتار، لكنه ـ في أواخر السبعينيات ـ كان بمثابة سوق لـ “نسوان” القديح.
الحكاية سرد تفصيلاتها الابن الثاني.. “علي” الذي شاهد ما كان يفعل شقيقه الأكبر من أجل الأسرة. فانضّم إلى العمل معه في “الصندقة”، ثم انضمّ الأخوة الآخرون. وحين وصل “علي” في دراسته إلى المرحلة المتوسطة؛ وبدأ نجمه يظهر في نادي البلدة “مضر” كلاعب دراجات. تقسّمت حياته إلى 3 أنشطة: المدرسة، والنادي، والصندقة..!
بداية اختيار أكياس المحلات لمحل القديح
طالب.. لاعب.. بائع
يقول علي “كنت حينها لاعباً متحمسا للدراجات في نادي مضر، وبين المدرسة والنادي كنت أعود بكل حماس للوقوف في تلك الصندقة البسيطة لبيع المنتجات بأرباح بسيطة جداً. ولحداثة المشروع وقلة الخبرة، وبساطة الحياة كانت المبالغ البسيطة شيئاً كبيرا بالنسبة لنا، عدا سعادة مشاهدة الإقبال الكبير على المحل”.
يضيف “برأس مال لا يتجاوز 5 آلاف ريال؛ صنعنا محلاً يخدم احتياجات الأهالي، في زمن كان أقصى إمكانية للتسوق هي الذهاب إلى سوق مياس في القطيف. وفي هذا السوق؛ افتتحنا محلاً صغيراً، للتعامل التجاري بالجملة. ومع صعوبة التنقل، والكثافة السكانية أصبح محلنا الصغير مكاناً بمساحة 30 متراً فقط، فصار مقصداً للكثيرين من أهالي القطيف. من شتى مدنها وقراها، ومع العمل الجاد والتعاون بيننا توسع المحل الصغير إلى 100 متر.
علي سالم.. اللاعب الذي مثّل المنتخب.. وغامر في التجارة
تطوير وتعثر
بعد 6 سنوات توقف أخي عن العمل، مع أننا ما زلنا في بدايات مرحلة التطوير. انتقلنا من شراء البضائع من محلات الجملة في سوق مياس إلى المنافسة في السوق نفسه، بعد افتتاح محل بمساحة أكبر وجلب البضائع من الدمام والرياض، والكويت، وفي مراحل متقدمة وصلنا إلى شراء البضائع من جدة، فضلاً عن سوريا ولبنان في مراحل متدرجة.
مرست 30 سنة لنا في سوق مياس، ولأن هذا ليس حداً لطموحنا؛ افتتحنا محلاً آخر في سوق الحب بالدمام عام 1987. المحل لم يستمرّ طويلاً مع أزمة الخليج سنة 1990.. مُنينا بخسائر كبيرة؛ فاضطرتنا إلى بيع المحل بمبلغ 35 ألف ريال مقابل مبلغ الشراء الذي كلفنا 50 ألف ريال.
في عام 1998 افتتحنا فرعنا الكبير في شارع أحد في القطيف، وأطلقنا عليه اسم “مركز الغزوي فاشن”
ولقي المحل رواجاً كبيراً حتى اغلاقه عام 2017، ومنه انتقلنا للتوسع والعمل في أكبر مشروع أقدمنا عليه حتى الآن وهو هذا المشروع القائم في جزيرة تاروت، وكان افتتاحه حدثاً احتفالياً مهماً، وقص شريط الافتتاح المرحوم الحاج عبدرب الرسول حسن الشهاب.
العصر الذهبي
منذ 2002 حتى الآن؛ والمحلات تلقى ازدهاراً وانتشاراً واسعا في سوق العمل، وتزداد معها المغامرة والجرأة في المنافسة والمحاولات المتعثرة ثم النهوض من جديد.
المنافسة بدأت بشكل أكبر بين عامي 2005 و2010.. كنا من أوائل المحلات التي استأجرت لها مكاناً في “المولات”، وكانت البداية في “مارينا مول باسم” ماركة صينية حملت اسم” ليقو”، خاصة بعد التوجه الجديد في الاستيراد من الصين وتركيا و ايطاليا وفرنسا ومع ارتفاع الإيجار(200 ألف ريال ) قمت ببيعه “خلو رجل” بـ 180 ألف.
وفي مجمع الخنيزي أيضاً كان لنا محل آخر أغلقناه.
آخر استثماراتنا هو المجمع الحالي مقابل حي الشاطيء، في جزيرة تاروت، وهو يقع على مساحة 4000 متر، وتصل تكلفة استئجار الأرض كاملة والإنشاء إلى أكثر من 15 مليون ريال.
أنا حضرمي قديحي
يتباهى الغزوي بكونه في الأصل سعودياً من قرية “القديح” الصغيرة. لكنه ـ في التجارة ـ حضرمي التفكير. ويعترف بأن عقله التجاري وجرأته في المنافسة والمهارات التي اكتسبها في السوق اكتسبها من التجار “الحضارم” الذين تعامل معهم، وكانت له معهم عشرة وتعاملات تجارية، منذ أن بدأ جلب البضائع من من جدة، مرورواً بتعامله في سوق الحب بالدمام، وصولاً إلى التعامل الشخصي على مستوى الزمالة والتعارف والصداقات التي كوّنها أثناء المعسكرات الرياضية لدراجي نادي مضر.
وفي رأيه فإن العمل التجاري يحتاج إلى قلب قوي حازم وجازم القرارات، وطول بال لا يتحلّى به شباب السعودية بمقدار ما يتحملها الحضارم. ومع ذلك فإن نسبة السعودة في محلاته تصل إلى 40% من القوى العاملة، ولديه أكثر من 30 عاملاً.
فرع الغزوي.. سوق ميّاس
أفضل ولكن ببطء
وحول رؤيته المستقبلية لسوق العمل قال “القادم سيكون أفضل، ولكن التحسن في المستوى سيكون بطيئاً وارتفاع معدل النجاح في التجارة لن يتحقق بسهولة، مؤكداً أن الادارة الحكيمة والجريئة هي أحد الحلول، ولكنها تبقى في إطار المخاطرات والمجازفات، وعلى ذلك تحتاج لشجاعة في اتخاذ القرار مع قوة تحمل للنتائج مهما كانت.
الغزوي يعمل في مجتمع القطيف، وهو يرى أن 90% من الاعتماد في نجاح العمل التجاري هو على سكان وعملاء محافظة القطيف، التي فيها المركز الرئيس للمشروع ومنها تعلم أذواقهم واختلافها ومستوى جودة المنتج المرغوب.
افتتاح المجمع الكبير عام 2017، بيد رجل الأعمال الراحل عبدرب الرسول شهاب، وعن يمين الصورة يظهر الأخ الأكبر
ريادة الأعمال
عالم التجارة عالم واسع لكن الغزوي وأخوانه شُغفوا به، وواجهوا فيه الكثير ولم يقبلوا أن يتوقفوا حتى في أصعب المواقف. ما زال لديهم نفس طويل للمجازفة وطرح الجديد في سوق العمل. المشروع الذي أسسه شقيقهم الأكبر “أحمد” في صندقة قبل أكثر من 45 سنة؛ استمرّ عليه علي وسعيد وعبدالله وحسين.
وحين احتاج المشروع إلى تضحية؛ أقد الشقيق الثاني على الاستقالة من وظيفته في شركة الكهربا التي عمل فيها مدة 19 سنة، قدم استقالته ليتفرّغ لمشروع مستقبل العائلة كلها.
أحمد سالم.. المؤسس الذي بدأ من “صندقة” في القديح
صور من المجمع الكبير الحالي: