الخيار الوحيد الذي يبقى أمام البشرية هو تقليل الانبعاثات بشكل عاجل، مع الاستمرار في التكيف مع الاحترار الذي لا يمكن الهروب منه.
هل تتحول الأرض لمكان يصعب العيش فيه عام 2500؟ (جامعة ماك غيل)
كثيرا ما اهتم العلماء بما سيكون عليه مناخ الأرض عام 2100 في ظل سيناريوهات مختلفة من الاحترار العالمي. لكن كيف سيكون الوضع على كوكبنا بحلول عام 2500؟
بحسب دراسة علمية جديدة، لن تكون الأرض بعد 5 قرون من الآن كما نعرفها اليوم، وملامحها ستكون غريبة ومختلفة تماما.
يواصل متوسط الحرارة الارتفاع بحسب سيناريوهات اعتمدها الباحثون (غلوبال تشينغ بيولوجي)
عندما يتحدث العلماء عن الآثار طويلة المدى لتغير المناخ كارتفاع مستويات غازات الاحتباس الحراري ودرجات الحرارة ومستويات سطح البحر، فهم يقصدون في غالب الأحيان تلك التي ستهيمن على مناخ الأرض بحلول عام 2100.
لكن آثار الاحترار ستستمر بعد هذا التاريخ، لذلك يرى بعض الباحثين أن الفهم الكامل لآثار المناخ والتخطيط لها يتطلب من العلماء وصناع السياسات النظر إلى ما وراء أفق 2100.
الغرب الأوسط الأميركي كما هو اليوم (أعلى) لكن يسوده مناخ شبه استوائي حار ورطب عام 2500 (جامعة ماك غيل)
بعد عام 2100
في هذا الإطار، أجرى باحثون من جامعة "ماك غيل" الكندية (McGill University)، وآخرون من جامعات بريطانية، دراسة علمية جديدة نشرت مؤخرا بدورية "غلوبال تشينغ بيولوجي" (Global Change Biology) لبحث آثار التغيرات المناخية بعد نهاية القرن الحالي.ووفق بيان نشر على موقع جامعة "ماك غيل" قام الباحثون باختبار توقعات 3 نماذج لمحاكاة المناخ العالمي، حتى عام 2500. وتستند هذه النماذج إلى سيناريوهات مختلفة لتغير تركيزات غازات الاحتباس الحراري بالغلاف الجوي، منها واحدة تتوافق مع هدف اتفاق باريس الذي ينص على عدم تجاوز الاحترار العالمي درجتين مئويتين مع نهاية القرن الحالي.
كما قاموا بنمذجة توزيع الغطاء النباتي والإجهاد الحراري وظروف النمو لنباتات المحاصيل الرئيسية الحالية، وذلك للتعرف على نوع التحديات البيئية التي قد يتعين على أطفال اليوم وأحفادهم التكيف معها بدءا من القرن الـ 22 فصاعدا.
ولتصوير ما يمكن أن يبدو عليه العالم في ظل أقسى سيناريوهات الاحترار مقارنة بما عشناه حتى الآن، استخدم الباحثون نتائج المحاكاة لإنتاج 9 لوحات لـ 3 مناطق طبيعية رئيسية (الأمازون والغرب الأوسط للولايات المتحدة وشبه القارة الهندية) تصور المشهد الطبيعي فيها كما كانت عليه عام 1500، وما كانت عليه العام الماضي، وما ستكون عليه عام 2500.
حوض الأمازون كما هو اليوم يتحول إلى منطقة قاحلة عام 2500 (أسفل) (جامعة ماك غيل)
تحولات مناخية جذرية
وجد مؤلفو الدراسة أن متوسط درجات الحرارة العالمية سيستمر في الزيادة إلى ما بعد 2100 في ظل السيناريوهات التي لا تتوافق مع اتفاق باريس. وسيتحرك الغطاء النباتي وأهم مناطق زراعة المحاصيل نحو القطبين، في الوقت الذي تقل المساحة المناسبة لبعض المحاصيل.وستشهد مناطق الغرب الأوسط للولايات المتحدة، المعروفة بمناخها المعتدل، تكيفا زراعيا مع مناخ شبه استوائي حار ورطب، وقد تسودها الغابات الزراعية شبه الاستوائية القائمة على أشجار النخيل.
كما قد تصبح الأماكن، المعروفة منذ آلاف السنين بأنظمتها البيئية الثرية والمتنوعة، مثل حوض الأمازون، قاحلة وخالية من الحياة مع انخفاض مستوى المياه في المسطحات المائية نتيجة تدهور الغطاء النباتي.
وقد أظهرت نتائج المحاكاة كذلك أن الإجهاد الحراري قد يصل، بعد 5 قرون من الآن، إلى مستويات قاتلة للبشر بالمناطق المدارية ذات الكثافة السكانية العالية حاليا كمنطقة شبه القارة الهندية.وتصبح هذه المناطق غير صالحة للسكنى حتى في ظل سيناريو التخفيف الذي يتوافق مع اتفاق باريس، مما يتطلب تطوير تقنيات جديدة للتكيف مع الحرارة بما في ذلك الزراعة الآلية والمباني الخضراء.
شبه القارة الهندية اليوم (أعلى) بحاجة لتطوير تقنيات للتكيف مع الحرارة عام 2500 (جامعة ماك غيل)
كيف نتجنب الكارثة؟
كتب الباحثون في تقرير حول نتائج الدراسة -نشر على موقع "ذي كونفرسيشن" (The Conversation)- أن الفترة التي مضت خلال 5 قرون الماضية، شهدت العديد من التحولات الكبيرة كالاستعمار والثورة الصناعية، وولادة الدول والمؤسسات الحديثة، والاستخدام المفرط للوقود الأحفوري وما يرتبط به من ارتفاع في درجات الحرارة العالمية.
وقالوا "إذا فشلنا في وقف ارتفاع درجة حرارة المناخ، فإن 500 سنة القادمة وما بعدها ستغير الأرض بطرق تتحدى قدرتنا على الحفاظ على العديد من الأساسيات للبقاء، لا سيما الثقافات ذات الجذور التاريخية والجغرافية التي تمنحنا المعنى والهوية".
ويرى مؤلفو الدراسة أن الخيار الوحيد الذي يبقى أمام البشرية هو تقليل الانبعاثات بشكل عاجل، مع الاستمرار في التكيف مع الاحترار الذي لا يمكن الهروب منه نتيجة للانبعاثات المستمرة حتى الآن.