لقد كان فيلم ميل جيبسون عن "آلام المسيح" الذي صوِّر وتكلَّم اللغة التي تكلَّم بها المسيح، سبباً في انتباه العالم لأهمية هذه اللغة القديمة التي ماتت الآن. وبالإضافة إلى هذا الفيلم، فمن المتوقع أن يزداد اهتمام العالم والعلماء اللاهوتيين بهذه اللغة الأرامية. ولا يعلم أحد طبعاً بهذه اللغة التي تشبه في كلمات كثيرة منها اللغة العربية، إلاَّ أنه في ولاية كيرالا بجنوب الهند، ما زالت إلى الآن تُستخدم هذه اللغة (التي هي لهجة من لهجات اللغة السريانية) في الطقوس والخدمات الليتورجية في كنيسة مالابار السريانية الأرثوذكسية، والتي يُعتبر تقليدياً أن القديس توما الرسول هو الذي أسَّسها عام 52م.
وفي جامعات ولاية كيرالا تُقدَّم دورات لدراسة اللغة الأرامية - السريانية. وفي هذا الإطار، من المهم أن نتعرَّف على "الإنجيل الأرامي" المفقود منذ القرن السادس عشر في كيرالا، وكيف تم استرجاع هذه المخطوطة التي ظلَّت مختفية لعدة قرون خلال الاحتلال البرتغالي للهند.
النسخة الأرامية من أقدم النسخ الأثرية للإنجيل:
ومن المعروف أن من أقدم نسخ الكتاب المقدس في العالم هما: النسخة الفاتيكانية، وهي محفوظة في مكتبة الفاتيكان؛ والنسخة السينائية، وهي محفوظة في المتحف البريطاني. إلاَّ أن الكنيسة الأنجليكانية في انجلترا حصلت في القرن التاسع عشر على نسخ من الكتاب المقدس الأرامي من كيرالا، والتي تعتبر مثلها مثل نسختي الفاتيكان والمتحف البريطاني في قِدَمها وأهميتها. وتوجد هذه الكنوز التي من الهند الآن في جامعة كامبريدج في انجلترا.
ترجمات الكتاب المقدس الأولى:
وقد كُتبت نسخ الكتاب المقدس أصلاً باللغات الأرامية واليونانية. وقد ترجم العلاَّمة جيروم في وقت مبكر (القرن الخامس) الكتاب المقدس كله إلى اللغة اللاتينية لغة الغرب. وبينما كانت هذه الترجمة اللاتينية المعروفة باسم "الفولجاتا" هي النسخة المعتمدة لدى الكنيسة الرومانية
الكاثوليكية في الغرب، إلاَّ أن هناك نسخة أخرى هي الترجمة الأرامية / السريانية كانت تستخدمها كنيسة أنطاكية في سوريا. ومن المفترض أن هذه النسخة من الكتاب المقدس أُحضِرَت من مالابار بالهند، حيث إن المسيحية هناك تعود إلى القرن الأول من كرازة الرسول توما أحد الاثني عشر تلميذاً. وكان الذي يرسم رئيس أساقفة مالابار، بطريرك أنطاكية للسريان الأرثوذكس. وتمثـِّل ليتورجية مالابار أحد أقدم الليتورجيات في العالم.
وتعتبر النسخة السريانية الأرامية لإنجيل متى الأصل الأساسي للإنجيل، كما يقول علماء الكتاب المقدس، لأنها أُحضِرَت إلى الهند قبل عام 325م، السنة التي انعقد فيها المجمع المسكوني الأول في مدينة نيقية، والذي قنَّن وحدَّد أسفار الكتاب المقدس المعترف بها.
غزو الهند بواسطة البرتغاليين، وإحضارهم النسخة اللاتينية معهم:
وقد استمرت الكنيسة المسيحية الهندية في مالابار تقتني وتتبع النسخة السريانية من الكتاب المقدس. وفي عام 1498م أتى البرتغاليون إلى الهند، وحملوا معهم تراث الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. وبالرغم من أنهم اغتبطوا بوجود كنيسة مسيحية من أهالي البلاد في مالابار، إلاَّ أنهم أضمروا أن يلغوا تأثير البطريرك الأنطاكي من الكنيسة الهندية، وأرادوا أن ينقل الهنود المسيحيون ولاءهم إلى البابا في روما. وقد سبَّب هذا منازعات كثيرة بين البرتغاليين والكنيسة المسيحية في مالابار.
وأخيراً، وفي عام 1599م، قرر رئيس الأساقفة مينيزيس الممثل الشخصي للبابا الروماني في الهند، أن السبب الرئيسي في تمسُّك الكنيسة الهندية بمرجعيتهم إلى الكنيسة السريانية هو نسختهم السريانية للكتاب المقدس، فدبَّر استبعاد هذه "النسخة الأرامية السريانية" للإنجيل.