أنماط النشاط التي تنتجها أدمغتنا فريدة في نوعها لدرجة أنها يمكن استخدامها بصمة مميزة لتحديد هوية الأفراد بشكل موثوق.
استخدام نمط الاتصال الوظيفي المميز لكل فرد يعد "بصمة فريدة" لتمييز الأفراد بدقة بالغة عن بعضهم البعض (الصحافة الأجنبية)
يتكون الدماغ البشري من مليارات الخلايا العصبية التي تتواصل مع بعضها البعض عبر شبكة اتصالات معقدة، وذلك لإتمام المهام المنوطة بها.
ويختلف الأفراد عن بعضهم البعض في أنماط هذه الاتصالات الوظيفية التي تحدث بين هذا العدد الهائل من الخلايا.
وطبقا لدراسة سابقة نشرت في دورية "نيتشر نيوروساينس" (Nature Neuroscience) عام 2015، فإنه يمكن استخدام نمط الاتصال الوظيفي المميز لكل فرد "كبصمة فريدة" لتمييز الأفراد -بدقة بالغة- عن بعضهم البعض.
وحديثا، قامت دراسة أجراها باحثون في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان (Swiss Federal Institute of Technology) -ونشرت في دورية "ساينس أدفانسز" (Science Advances) في 15 أكتوبر/تشرين الأول الحالي- بفحص الكيفية التي تتغير بها هذه الأنماط بمرور الوقت، وذلك في محاولة منهم لمعرفة التوقيت الذي تصبح فيه هذه الأنماط فريدة ومميزة.
الدماغ البشري يتكون من مليارات الخلايا العصبية التي تتواصل ببعضها عبر شبكة معقدة (بيكسابي)
خريطة دماغية مميزة
وطبقا للتقرير الصحفي الذي نشره موقع "ساينس ألرت" (Science Alert)، فقد قام الباحثون بقياس نشاط الدماغ لـ100 شخص مختلفين باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (Functional magnetic resonance imaging).
ومن ثم، حَوَّل الباحثون نتائج التصوير السابق إلى مخططات رسومية ملونة، وذلك لبناء أطلس يشمل 419 نقطة في أدمغتنا؛ إذ يشير عالم الأعصاب المشارك في الدراسة إنريكو أميكو إلى أن "جميع المعلومات التي نحتاجها موجودة في هذه الرسوم، التي تعرف باسم الشبكة الكلية لوصلات الدماغ الوظيفية (Functional brain connectomes)".
وتعد شبكة وصلات الدماغ خريطةً عصبية لجميع الاتصالات التي تربط خلايا الدماغ، إذ يخبرنا فحص هذه الاتصالات -بواسطة الرنين المغناطيسي- بما يقوم به الأشخاص الخاضعين لعملية التصوير تلك، وتتغير أنماط هذه الاتصالات العصبية بناءً على النشاط الذي يقوم به الفرد، وذلك إثر تغير النشاط العصبي بين أجزاء الدماغ المُشترِكة في إتمام هذا النشاط أو ذاك.
أطلس الدماغ المرسوم يشمل 419 نقطة مستمدة من التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (يوريك ألرت-إنريكو أميكو)
وقت أقل لكشف الهوية
ورغم أن إجراء الفحص لفترات زمنية أطول سمح بتمييز الأفراد بشكل أفضل، فإن 100 ثانية فقط كانت كافية لجمع البيانات اللازمة لتحديد هوية الفرد بشكل موثوق.
ويشير الباحثون إلى أنه من الصعب اقتصار تمييز الهوية على نقطة زمنية واحدة، وهو الأمر الذي يرتبط بالكيفية التي تدير بها أدمغتنا النشاط العصبي داخلها.
وعن هذا التوقيت الزمني الصغير اللازم لكشف الهوية، يقول أميكو "إن المعلومات اللازمة لكشف بصمة الدماغ المميزة يمكن الحصول عليها خلال فترة زمنية قصيرة جدا من دون الحاجة إلى التصوير بالرنين المغناطيسي الذي يقيس نشاط الدماغ لفترة تقدر بـ5 دقائق".
وتمكنت عمليات القياس الأقصر زمنا من التقاط النشاط الحسي، مثل حركات العين، غير أن الوظائف الإدراكية الأكثر تعقيدا بدأت الظهور بعد مدة أطول من القياس.
وتتضمن هذه العمليات الإدراكية أشياء مثل اللغة والوعي والذاكرة العاملة والإدراك الاجتماعي؛ مما يعني أن شبكات الدماغ تعمل ضمن نطاقات زمنية مختلفة.
مرض ألزهايمر يخفي السمات المميزة لبصمة الدماغ باستمرار (ويكيبيديا-أوبنستاكس)
الإخلال بالنمط الوظيفي
ويضيف الباحثون أن هذه الدراسة "تمهد الطريق لربط بصمات الدماغ الوظيفية بالتراكيب الهيكلية الأساسية المكونة لمناطق الدماغ المختلفة"، كما يشيرون إلى أن ما لاحظوه من مقياسين زمنيين متميزين يتوافق مع تدرج الجينات والسلوك المرتبطين بهما.
وبالطبع، فإن ارتباط النمط الوظيفي بتحديد هويتنا بهذا الشكل الدقيق يدفعنا للتساؤل عما يحدث أحيانا إذا تم الإخلال بهذا النمط، مثل ما يحدث في مرض ألزهايمر؛ الذي يسلب أدمغتنا بصمتها العصبية المميزة.
ويجيب أميكو عن ذلك قائلا إن "النتائج الأولية التي توصلنا إليها تشير إلى أن السمات التي تجعل بصمة الدماغ فريدة في نوعها تختفي باستمرار مع تقدم المرض.
ومن ثم يصبح التعرف على الأشخاص استنادا إلى الشبكة العصبية الخاصة بهم أمرا أكثر صعوبة؛ إذ يبدو الشخص المصاب بمرض ألزهايمر كأنه فقد هويته الدماغية".