«مخبز العادل» قصة تحدٍ صنعها 3 من أصحاب الهمم



المصدر: الحسكة – عبدالله رجا

يستخدمون لغة الإشارة ومن دون كلمات يتعاملون مع زبائنهم، ويتلقون الطلبات مؤدين كل ما يُطلب منهم على أكمل وجه ومن دون تأخير، فالوقت بالنسبة لهم عامل مهم في كسب الزبائن، مقدمين أشهى المعجنات للزبائن الذين يقصدون محلهم الواقع في منطقة بلودان بريف دمشق من مختلف المناطق السورية. يبعد هذا المخبز عن دمشق حوالي 35 كيلومتراً، ومع ذلك يتجه العديد من أبناء العاصمة السورية إلى بلودان من أجل شراء المعجنات من هذا المطعم، طمعاً في غداء شهي ودعماً لهذا المشروع النادر لهؤلاء الصم.
هم ثلاثة أخوة أسسوا مخبزاً قبل 40 عاماً سموه «مخبز العادل» وهو من أقدم المخابز في المنطقة، إذ أصبح علامة معروفة لدى كل من يزور بلودان تلك المنطقة السياحية في ريف دمشق، ومع الأيام أصبح أشهر من نار على علم لا يمكن لأحد أن يتوه عنه بمجرد دخوله لبلودان، فشعبية أصحابه كبيرة كونهم ثلاثة من أصحاب الهمم (الصم) أسسوا مشروعاً شخصياً يديرونه بالمطلق بدون حاجتهم للكلام، وإن اضطروا للتحدث فيمكنهم الاستعانة بزوجاتهم اللواتي يتناوبن على زيارة المخبز كل يوم ليقدمن يد العون، أو يمكنهم الاستعانة بشاب يعمل لديهم أتقن لغة الإشارة.
بعد أن تأثر هذا المخبز بما خلفته الحرب، يعود من جديد ليستأنف عمله ويقدم خدماته لأهل المنطقة والزوار القادمين من المناطق المجاورة وخصوصاً الدمشقيين.
تخبرنا زوجة أبو محمد أحد أصحاب الفرن، بأنّ الأخوة الثلاثة ولدوا صُماً، وقد تعلموا هذه المهنة منذ أن كانوا صغاراً، لأن عائلتهم رغبت بتأسيسهم لعمل خاص بهم كي لا يحتاجوا للعمل عند الآخرين، ولأن التواصل في هذه المهنة محدود مع الزبائن والأصناف محدود أيضاً. وتضيف أم محمد أن زوجها وأخوته أقاموا علاقة ممتازة مع الجوار الذين اعتادوا التكلم معهم بلغة الإشارة حتى أتقنوها، كما أنهم اكتسبوا سمعة حسنة مع الزبائن، وتشرح بأن كل من يزور المطعم يتكلم بلغة الإشارة وعندما يتعذر التواصل يستعينون إما بالعامل الموجود معهم أو بالكتابة في حال وجود الأخ الأصغر أو الحفيد.
لا ضجيج
في المخبز لا تسمع أي ضجيج إلا صوت التنور وأدوات الطبخ، فالجميع يتكلم بيديه وإيماءات الوجه، أصحاب العمل مع بعضهم ومع الشغيل الوحيد السامع الذي تعلم لغة الإشارة بسبب عشرته الطويلة لمن يعمل معهم، وأصبح الوسيط في كثير من الأحيان بينهم وبين الزبائن أو المحلات، باعتبار أن اثنين من الأخوة لا يعرفان القراءة والكتابة ما يجعل من العسير استخدام الكتابة معهما بشكل مباشر.
كما انضم إليهما مع الأيام حفيد أحدهما بعدما ولد وهو يعاني من الحالة ذاتها. ويؤكد أحد الزبائن الذين اعتادوا على الشراء من هذا المخبز، أنهم اعتادوا زيارة هذا المخبز من حوالي 40 عاماً، وهم مرتاحون بسبب النظافة و«اللقمة» الطيبة، ولا تشكل اللغة أي عائق بينهم بل على العكس إرسالهم الطلبات عبر الواتس آب أو كتابتها على ورقة يضمن حصولهم على النتيجة المرغوبة وبالوقت المحدد على خلاف الكثير من أصحاب المحلات السامعين الذين لا يوجد عائق بالتواصل معهم لكنهم لا يقدمون النتيجة المرغوبة.
وبسبب الحالة التي يعيشها هؤلاء الأخوة الثلاثة، يحظون باهتمام من كل أنحاء المنطقة، وتنهال عليهم الطلبات من معظم أبناء المنطقة، فيما يشكل الزوار من خارج المنطقة عاملاً مهماً في دعم هذا المخبز، خصوصاً بعد أن توقف خلال سنوات الحرب، ليصبح اليوم قبلة لكل الزوار والراغبين بتناول المعجنات على طريقة الصم.