تثبت تمارا قيس -بقصة نجاحها والتغلب على ظروف عائلتها المعيشية- أن تلك الظروف والأحوال ليست عقبة في بعض الأحيان أمام تحقيق الأمنيات "الطموح لا يباع"؛ شعار طالما تبنته الطبيبة الشابة "تمارا قيس" التي نالت -من بين 60 طبيبا عربيا- المرتبة الأولى في بورد الأمراض الجلدية بالامتحان الشامل الذي جرى في رحاب الجامعة الأردنية برعاية المجلس العربي للبورد.
ويتزامن إنجاز الطبيبة العلمي وطريقها الشاق في تحقيق الذات إيمانا منها بقدراتها، في ظل ظروف معقدة يعيشها العراق، ليمثل بارقة أمل ورسالة بليغة مفادها أن طريق النجاح وإن كان طويلا وشاقا ومحفوفا بالعديد من الصعاب والعثرات المتعاقبة، لكن لتحقيقه طعم خاص ينعكس إيجابا على كل مفاصل الحياة.
مسار دراسي حافل
بدأت قصة الطبيبة تمارا -التي أنهت دراسة الطب في جامعة واسط العراقية عام 2012- بعدما اجتازت المراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية بنجاح باهر، ولكونها تخرجت متفوقة على زميلاتها في كلية الطب، وافقت وزارة التعليم العالي العراقية على توظيفها في العام ذاته معيدة ضمن ملاك الجامعة، لكنها ورغم ذلك آثرت المضي قدما في إنجاز ما تصبو إليه فقررت استكمال البورد العربي.
وبين الظروف المعيشية الصعبة وتداعيات الوضع الراهن في العراق، لم يكن من السهولة على الطبيبة تحقيق حلمها والظفر بالبورد العربي دون المرور ببعض العقبات، فالحياة كما تراها مليئة بالمنغصات.تقول - كانت الأحوال المعيشية الصعبة تمثل تحديا أوليا واجهته، خصوصا بعدما وظفت براتب لا يتجاوز الـ750 دولارا، وصار لزاما عليّ تنظيم مصروفي اليومي بين عائلتي وزوجي الذي كان لا يزال طالبا في البورد العربي"، مضيفة بأنهما كانا يرتبان جدولهما اليومي ما بين الدراسة والعناية بطفلتهما الوحيدة".
وتزيد "قبلت في البورد العربي عام 2016، وكنت الأولى ضمن الـ24 طالبا الذين تقدموا لاجتياز الامتحان التنافسي وصار العيش في العاصمة أمر لا بد منه".
ولأن قصص النجاح غالبا ما تبدأ بمعاناة تمثل دافعا من دوافع النجاح وإثبات الذات، لا تتأخر الطبيبة الشابة من تسطير قصة نجاحها بيديها، وحول طبيعة الصعوبات التي عاينتها تقول "زاد الأمر تعقيدا بعدما وجدنا أنفسنا مضطرين للسكن في بغداد، فقد عانت عائلتي من إيجاد سكن ملائم ومعيشة تتوافق مع مدخولنا الشهري الذي كان يتطلب تحمل تكاليف شراء المصادر والاحتياجات المنزلية والنقل ومصاريف الدراسة وغير ذلك".
نقابة الأطباء تكرم الطبيبة تمارا بعد حصولها على المرتبة الأولى في بورد الأمراض الجلدية
إنجاز محفوف بكورونا
ووفقا للطبيبة العراقية، فلم يكن بإمكانها نسيان سفرها إلى العاصمة الأردنية عمان لتأدية امتحان البورد العربي وهي تعاني من تداعيات الإصابة بفيروس كورونا، موضحة بأنها كانت تواصل القراءة والمتابعة في الليل والنهار يرافقها سوء في حالتها الصحية.وتضيف "أجريت الامتحان بواقع يومين، كان اليوم الأول في الجامعة الأردنية واليوم الثاني بمستشفى البشير في العاصمة الأردنية عمان حيث كان مخصصا لأداء الامتحان السريري والشفوي للأمراض الجلدية والتناسلية".
وتتابع "ما بين تحقيق طموحي وانعكاسات الإصابة بالفيروس وبُعدي عن الأهل، لم يكن بمقدوري سوى إثبات جدارتي والعودة بنتائج علمية محمودة".
وتدين الطبيبة تمارا قيس بالفضل في كل ما وصلت إليه لعائلتها وزوجها، معتبرة أن وقوفهم لجانبها منحها الصبر والقوة والمطاولة الذي توج بحصولها على شهادة ممارسة الاختصاص "إم آر سي بي" (mrcp) من كلية الأطباء الملكية البريطانية، كما أصبحت عضوا في الجمعية الأوروبية لأطباء الجلد، كما نالت شهادة التجميل والليزر من الأكاديمية الأميركية في القاهرة عام 2020.
تمارا قيس حصلت على رخصة العمل وبدأت بتجهيز مبنى العيادة الشخصية
حلم إنساني
حلم تمارا بافتتاح عيادة خاصة تمكنها من رعاية المرضى والعوائل المحتاجة، بدأ يتحقق شيئا فشيئا، بعد حصولها على رخصة العمل والبدء بتجهيز مبنى العيادة الشخصية."لن أتأخر عن رعاية كل من يحتاج إلى الرعاية، ولا أتوانى في دعم واستشفاء العوائل المحتاجة إيمانا مني من كون مهنة الطب مهنة إنسانية خالصة "؛ هذا عهد تُلزم به نفسها الطبية العراقية التي تقول إنها لا تتردد في المساعدة والمشورة لأي شخص يحتاجها وهذا أقل ما تقدمه لوطنها وعائلتها ودعوات المخلصين.
وينقل يحيى نقي -وهو أحد أعمام تمارا- بأن نجاح ابنت أخيه إنما يهدف إلى إشاعة ثقافة التحدي في النفوس وتشجيع النساء الأخريات في الإقبال على الحياة ومواجهة الصعاب.
العم الأكبر الذي بدا متفاخرا بما وصلت إليه الطبيبة الشابة يقول للجزيرة نت "ليس من الصحيح أن نمر في هذه الحياة مرور الكرام، فداخل كل شخص منا قوى خارقة أودعها الخالق سبحانه ينبغي الاستفادة منها في مواجهة الحياة"، مبينا أن تمارا تتمتع بذكاء خارق جعلها محط اهتمام عائلتها وجميع معارفها، وتمثل امتدادا ناجحا للمرأة العراقية التي أثبتت كفاءتها وجدارتها وتميزها في كل مكان.
وتثبت تمارا قيس -بقصة نجاحها وإصرارها على تحقيق ذاتها والتغلب على ظروف عائلتها المعيشية- أن تلك الظروف والأحوال ليست عقبة في بعض الأحيان أمام تحقيق الأمنيات، كما تؤكد أن الإصرار والتحدي وراء كل نجاح.