مشاركات شبابية: غزة غنية بالمواهب والمبدعين وأهلها يستحقون حياة أفضل
هناك وجه آخر لغزة، محب للحياة والجمال، غير وجه الحصار وويلات الحروب.. الأخبار الواردة من غزة ليست كلها مأساوية وحزينة.. هذا الوجه الغائب عن غزة حاول شبان وشابات مبدعون أن يكشفوه للعالم من خلال كتاب شعري صدر حديثا بعنوان "غزة أرض القصيدة".
ويضم الكتاب بين دفتيه 42 قصيدة لـ16 مبدعا صاعدا على "سلم الشعر" من شباب وشابات غزة، كشفوا من خلالها عن وجوه كثيرة لغزة الصغيرة المحاصرة، غير ذلك الوجه الذي يتصدر نشرات الأخبار منذ 15 عاما، ويعكس حكايات قاسية ومؤلمة عن الموت والحصار والدمار.
مشروع ثقافي
و"غزة أرض القصيدة"، الذي صدر عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" (بيروت وعمان)، يأتي في إطار مشروع ثقافي، يعنى بتقديم أعمال شعرية لمبدعين من غزة وترجمتها ونشرها في دول عربية وغربية.
ويشرف على هذا المشروع الشاعر والروائي الشاب من غزة محمد تيسير، والكاتب البريطاني من أصل فلسطيني سمير اليوسف.وقال تيسير (25 عاما)، للجزيرة نت "نحتاج جميعا أن نرى الوجه الجميل لغزة، بعيدا عن الوجه البائس بسبب الفقر والحصار والحروب.. غزة تستحق حياة أفضل، ولا بد من تصدير وجهها المشرق المحب للحياة إلى العالم".
ويضيف "في غزة مليونا فلسطيني ينتظرون الحياة، وهم الأجدر بها، بعد سنوات طويلة من القهر والمعاناة، ومسؤوليتنا نحن كمبدعين شباب أن نغير الصورة النمطية عن هذه البقعة الصغيرة من العالم، ونقول لدينا أحلامنا، ومن حقنا العيش بحرية وسلام ومن دون احتلال وقتل ودمار".
وبحسب تيسير، وهو محرر الكتاب إضافة إلى مشاركته بقصيدتين، سيتم ترجمته مبدئيا إلى اللغتين الإنجليزية والبرتغالية، بالإضافة إلى لغته الأصلية وهي العربية.
وقال تيسير "غزة غنية بالمواهب والمبدعين، الذين لم يستسلموا للإحباط رغم أن جيلنا عايش الكثير من المآسي والآلام"، ويضيف "مبدعو غزة بحاجة إلى من يسمعهم ويقدر مواهبهم ويدعمهم، ويساهم في إيصال أصواتهم ورسائلهم إلى العالم".ودشن تيسير واليوسف مشروعهما ببيان، جاء فيه "لا يغيب قطاع غزة عن نشرات الأخبار المحلية والعالمية، ولكنها غالبا ما تكون أخبارا مثيرة للغضب والأسف والحزن والإحباط، نحن أيضا لدينا أخبار عن غزة نادرا ما يسمعها المتابعون. أخبار غزة الوجه الآخر، الأمل والتفاؤل وحب الحياة من خلال الاهتمام بالموسيقى والأدب والفنون البصرية، وإنتاجها والاحتفاء بها".
كتاب "غزة أرض القصيدة" يلقي الضوء على جوانب خفية للحياة في القطاع
وأضاف "نحن في مشروع (غزة أرض القصيدة) سنحاول أن نلقي الضوء على هذا الوجه الغائب لقطاع غزة من خلال أنشطة فنية متنوعة تهدف إلى المساهمة في منح الجيل الجديد من شابات وشبان فرصة التعبير عن هويتهم الثقافية والإنسانية من دون القيود السائدة".
وأوضح أن البداية ستكون "في التركيز على الشعر من خلال نشر قصائد وكتب باللغة العربية، وترجمة ونشر قصائد وكتب باللغات الأجنبية خاصة الإنجليزية، ومشاركة الشاعرات والشعراء في قراءات وأمسيات شعرية ومهرجانات أدبية، وإنتاج فيديوهات تنشر على يوتيوب وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي".
صرخة تغيير
هبة صبري (27 عاما)، واحدة من هؤلاء الذين أتيحت لهم فرصة المشاركة في "غزة أرض القصيدة"، قالت للجزيرة نت "لي 3 نصوص شعرية نثرية، تتناول جوانب مختلفة من الحياة في غزة".وكامرأة تعيش الظروف القهرية في غزة، فإن هبة حرصت من خلال نصوصها الشعرية على التركيز على الحرية التي تفتقدها النساء في اختيار نمط الحياة التي يردنها، وقالت "في غزة لا نتمتع بالحرية التامة لاختيار طريقتنا في الحياة".
وأضافت "المعاناة في غزة ليست فقط في الفقر الناجم عن الحصار والاحتلال، أو الموت والدمار خلال الحروب.. هناك معاناة لا تقل أسى وهي غياب الحرية، حرية الاختيار والسفر والتنقل، الحرية بكل أشكالها".
وأطلق هاشم شلولة (24 عاما) من خلال مشاركته بنصين شعريين "صرخة" إلى العالم، ودعوة للانتباه "نحن بشر كما شعوب العالم، ونستحق حياة أفضل".
وحملت النصوص الشعرية لشلولة دعوة إلى ضرورة تغيير الواقع المؤلم في غزة، الناجم عن سنوات مريرة من الحصار، وحروب متكررة جعلت من غزة في نظر الكثيرين "أرض الموت والخراب"، وهي صورة لا تعكس الوجه الحقيقي لغزة التي تجاور البحر وتعشق الجمال، وتكره القهر والاستسلام.وينظر شلولة إلى الكتابة الشعرية والأدبية على أنها "انتفاضة" على الواقع البائس، وصرخة قلم من أجل التغيير إلى الأفضل.
انتفاضة شعرية
ورأت عضوة الأمانة العامة لاتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين الدكتورة سهام أبو العمرين، في كتاب "غزة أرض القصيدة" أنطولوجيا شعرية تعبر بدقة عن واقع غزة وأحلام الشباب، تكررت بين نصوصه مفردات الموت والحرب والدمار، والتي تشير إلى "كابوسية الواقع".
سهام أبو العمرين: "غزة أرض القصيدة" هي انتفاضة لتغيير الواقع بالإبداع
ورغم ذلك، والحديث لسهام أبو العمرين، فلم يفقد هذا الشباب المبدع الأمل والرغبة في تغيير هذا الواقع المؤلم، والبحث عن حياة أفضل، والتحليق في فضاءات من الحرية.
ووصفت "غزة أرض القصيدة" بأنه كتاب يعكس حالة شبابية مبدعة من "التحدي والأمل"، وأظهر امتلاك المبدعين الشباب في غزة لعناصر اللغة والرؤية والإدراك والقدرة على مخاطبة العالم الخارجي.وأكدت أن "هذا الإنتاج الشعري الشبابي بمثابة مقاومة بالإبداع، فالكتابة كانت دوما مرتكزا لإشعال ثورات التغيير، عبر دعوات التمرد على الواقع، وفي (غزة أرض القصيدة) وجدتُ مقاومة كل ملامح القبح والموت والدمار، بالجمال والحب والإبداع".