الحلبوسي والصدر في لقاء سابق
حراك سياسي في العراق لتشكيل خارطة تحالفات يبنى على أساسها تشكيل حكومة مقبلة وسط توقعات بكسر "تابوهات" الطائفية.
ففي وقت تتقدم فيه قوى وتحالفات وأحزاب بطعون واعتراضات على نتائج الانتخابات، التي تمت الأحد، بعد أن حملتهم صناديق أكتوبر بعيداً عن توقعاتها، يجري الحديث سراً وعلانية عن شكل التحالفات للحكومة المقبلة.
وتؤشر المعطيات الرسمية التي أفرزتها النتائج الأولية لمفوضية الانتخابات، بتصدر تحالف الصدر عن القوى الشيعية، و"تقدم" عن المنطقة السنية السياسية، فيما يبتعد أقرب الفائزين من القوى والأحزاب عنهما بفارق كبير.
وبحسب النتائج المعلنة، حصد التحالف الصدري 73 مقعداً في الانتخابات المقامة الأحد الماضي، فيما تحصل تحالف "تقدم" الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، على 43 مقعداً.
وطيلة الانتخابات التشريعية الأربع الماضية، شكلت التوافقات السياسية المعادلة الأساسية في حمل رئيس الوزراء إلى مباشرة حكومته دون الركون إلى حجم الفائزين وأحقية الأعلى في تقديم مرشحه لشغل ذلك المنصب.
وبحسب المادة 76 من الدستور العراقي، فإن الكتل الأكبر التي تتشكل تحت قبة البرلمان بمقدار نصف زائد واحد سيكون لها حق تشكيل الحكومة وتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء.
معادلات جديدة
ومع أن المشهد الحالي ليس ببعيد عن مجريات الماضي القريب، إلا أن قوى وكيانات رئيسية خرجت من صناديق الاقتراع بوزن انتخابي خفيف، فيما تضاءل بعضها لدرجة "الانهيار"، كما هو الحال بالنسبة لتيار الحكمة والنصر اللذين لم يحصدا سوى مقعدين.
ومع أفول أركان رئيسية في البيت الشيعي السياسي، وصعود نجم التيار الصدري، تكون البلاد أمام معادلات جديدة في طبيعة التحالفات المتوقعة خلال الأيام التي تسبق تشكيل الحكومة.
وعلى مدار عقد ونصف، شكل مقتدى الصدر العصا في الدولاب الشيعي السياسي من خلال مواقف الرفض والتقاطع مع الكثير من القوى الرئيسية والتي غالباً ما كان يتهمها بالولاء لدول إقليمية.
وكان التيار الصدري قد أحرز في انتخابات 2018، 52 مقعداً، مما أسهم بشكل كبير في حسم مرشح منصب رئاسة الوزراء بعد أن ذهب إلى عادل عبد المهدي الذي اضطرته احتجاجات أكتوبر/ تشرين أول 2019 على تقديم استقالته بعد عام من وصوله.
إلا أن ذلك التاريخ قد لا يشكل عائقاً أمام قبول الصدر وكسب الأصدقاء الجدد في مرحلة ما بعد انتخابات تشرين، بحسب مراقبين.
ووضع الصدر خلال كلمة ألقاها عرفت بـ"خطاب النصر"، ليل الإثنين عقب إعلان النتائج الأولية للانتخابات، خارطة أولية لبرنامجه السياسي وطبيعة التحالفات والقوى الأقرب إليه.
وأشار الصدر، خلال كلمة متلفزة، إلى أن الحكومة القادمة "لا شرقية ولا غربية"، مشدداً على ضرورة "حصر السلاح المنفلت" وكبح "سطوة المليشيات".
كما أكّد أن التواجد الدبلوماسي للدول الأجنبية في العراق "مرحب به ما لم يتدخلوا في شؤوننا الداخلية".
نهاية الطائفية
يتوقع البعض أن تشهد تحالفات الأيام المقبلة عهداً جديداً في طبيعة التوجهات بعد أن كان أغلبها يتحرك باتجاه الطائفية والمذهبية.
الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي، غالب الدعمي، قال إن مؤشرات الحاضر السياسي تدل على إمكانية تحقيق تحالفات عابرة للطائفية تكسر ما كان سائداً في طبيعة التفاهمات السابقة، والتي انحصر مجملها بين الشيعية والسنية والكردية.
وأضاف الدعمي، أن "الأرقام التي حصل عليها التحالف الصدري وتقدم تقرب من حصول توافقات وتفاهمات للشروع ببناء الكتلة البرلمانية الأكبر، خصوصاً أن هناك تقاربا في طبيعة التوجهات والمواقف التي تجمع الصدر والحلبوسي".
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي، علي الكاتب، أن الظروف الآنية مهيأة لتحقيق الكتلة البرلمانية الأكبر دون المرور بتعقيدات ما شهده العراق خلال المراحل التي تلت التجارب الانتخابية السابقة.
وقال الكاتب،، إن "أصحاب الحظوظ الانتخابية الثلاث ممن حصدوا أعلى الأصوات قريبون لبعضهم البعض في الكثير من البرامج والمشتركات وهم: الكتلة الصدرية وتحالف تقدم والحزب الديمقراطي الكردستاني".
وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه مسعود البارزاني، قد حصد 32 مقعداً نيابياً، فيما حصلت مقاعد الكتل الكردية مجتمعة على 61 مقعداً.
ويعطف الكاتب بالقول إن "هناك نحو 30 مقعداً لشخصيات مستقلة وقوى تشرينية (متمخضة عن احتجاجات تشرين 2019) من المتوقع أن تنضم إلى ذلك التحالف المستقبلي إذا ما قدمت لها الضمانات في تمثيل الشارع الاحتجاجي".
في مقابل ذلك، توجد مقاربات أخرى لتشكيل الكتلة الأكبر برلمانياً على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك، قد يقودها رئيس "دولة القانون"، نوري المالكي الذي خرج من انتخابات أكتوبر بـ37 مقعداً.
ويعد تحالف "الفتح" الذي حصد 14 مقعدا، أقرب القوى لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي ومن ثم الاتجاه غرباً صوب تحالف "عزم" برئاسة خميس الخنجر، وشمالاً باتجاه الاتحاد الوطني الكردستاني.
فيما تبقى إمكانية تقارب بين دولة القانون والكتلة الصدرية أمرا مستبعدا بحكم الخصومة الكبيرة التي تبعد بين الطرفين منذ أكثر من عقد