The Power of one: هل يمكن أن نسامح فيلمًا قلل من قدر الآخر بانتظار المخلص الأبيض الرائع
لو أنت واحد من متذوقي عمق الموسيقى الإفريقية، تستهويك الطبيعة هناك، وتريد من خلال مسار حياتك أن تعتلي مراتب عظيمة، بينما عقلك مثقل بأسئلة. فإن الفيلم الدرامي The Power of one قد يقدم لك بعض الإجابات التي تبحث عنها، وقد ترغب في مشاهدته مرات عديدة، دون أن يعتريك الملل من أحداث الرواية التاريخية الأكثر مبيعًا والحاملة لنفس العنوان للكاتب بريس كورتيناي، التي تحولت عام 1992 إلى عمل سينمائي من إخراج وسيناريو جون جي أفيلدسن.
في البدء تستعرض قصة The Power of one “قوة الفرد” كل معضلة في التاريخ الحديث لجنوب إفريقيا، لتتحول إلى نزال في حلبة الملاكمة. لنقل أن الفيلم- الذي يمتد على مدى سنوات الحرب العالمية الثانية – يثير اهتمامك أولا بمن سيفوز بالحرية؟ وينتهي بمن سيفوز في المعركة؟
أوليغارشية متوحشة
إنه العام 1930 في منزل ريفي، حيث وضعت أرملة انجليزية رضيعها بيكاي، اختصارًا لاسمه الكامل بيتر فيليب كينيث كيث، لينشأ هذا الولد خلال فترة العنصرية المظلمة التي اجتاحت جنوب أفريقيا، وهو ما يسمى بنظام “الأبارتيد“، نظام أوليغارشي متوحش، حكمت من خلاله الأقلية البيضاء في البلاد منذ عام 1948.
تتحطم حياة بيكاي الهادئة بعدما أتى الطاعون البقري على ماشية المزرعة، وتنهار أمه طريحة الفراش. إلى أن تتعافى يُرسل الولد بعيدًا إلى مدرسة أفريكانية محافظة، لكن حياته هناك كانت بائسة وتفتقد تمامًا إلى مشاعر الطفولة الرقيقة. لقد قاسى بيكاي الاضطهاد لكونه الطالب الإنجليزي الوحيد، حيث تحول زمرة من الطلاب النازيين حياة الطفل إلى قطعة من جحيم، لأنهم كانوا يكرهون الإنجليز بقدر ما يكرهون الأفارقة السود.
لم يحن بعد موعد النهاية السعيدة لهذه الحقبة المؤلمة، أي استفتاء 17 مارس/ آذار 1992، الذي صادق فيه غالبية الناخبين البيض في جنوب إفريقيا على قرار دي كليرك بالتحرك نحو حكم الأغلبية السوداء، وزوال سيطرة من كانوا يسمون أنفسهم بـ”العرق الأرقى” على الموارد الاقتصادية في البلاد بما في ذلك أثمن الثروات إطلاقًا، الأرض.
القدِّيسون الثلاثة
كان على بيكاي الصغير أن يقاتل ويصارع، لكن من أين لهذا الضعيف بالقوة ؟
يأخذ القدر مجراه، ويرسل للولد الصغير طبيبًا روحيًّا من قبيلة الزولو، ليكون معلمه الأول في الحياة ومخلصة من الخوف، حيث يتحول بيكاي بين عشية وضحاها إلى ذلك الصغير الشجاع، الذي تحرسه صديقته الوحيدة، الدجاجة الأليفة المحبوبة، التي قتلها ذلك الفاسق ذو وشم الصليب المعقوف على ذراعه.
لعب ثلاثة من المعلمين الروحيين دورًا مهمًا في تطوير شخصية بيكاي، الذي أصبح فيما بعد صانع سلام وقائدًا شابًا يحارب الزواج غير المقدس بين الفصل العنصري والدولة البوليسية. كان صديق السود، الذين لم يعتبروه زعيمهم فقط. إنهم يرونه كرمز، كأسطورة ولدت بعد أن فاز بيكاي في معركة ملاكمة سرية غير مرخصة، أقيمت في حي هامشي فقير يسكنه السود فقط، حيث كان الشاب وحبيبته الأفريكانية هما الأبيضان الوحيدان ضمن حشد من السود، الذين كانوا يهتفون بولادة هذا الزعيم الأسطوري.
الطبيعة تجيب عنك
امتدت لسنوات علاقة بيكاي بمعلمه الروحي الثاني، عازف البيانو الألماني، التقيا في يوم كان الطفل يجلس وحيدًا، فدعاه إلى التعرف على حماره “بتهوفن”، وعلمه قاعدة طريفة: “لا تأخذ نصيحة من حمار”. لقد جعل منه موسيقيًا، كما أراه إفريقيا، وأخبره كذلك: “إذا كانت تدور في رأسك أسئلة، وتعجز عن الإجابة عليها، فاذهب إلى الطبيعة. هناك تجد إجابة عن كل سؤال”.
والثالث هو رجل أسود في السجن، لقن بيكاي أصول رياضة الملاكمة، وعلمه كيف يتصرف بعقله ثم بقلبه. كما أن لهذا السجين مبدأه الذهبي، وهو “أن يعيش الناس على أمل كاذب خير من يعيشوا بلا أمل”.
كما يُظهر الفيلم، يمكن لشخص واحد أن يحدث فرقًا، وخاصة عندما يكون الجسد والعقل والروح محصنة بحكمة كبار السن. بفضل هؤلاء المعلمين الثلاثة الذين سندوا ظهر بيكاي، صار جسرًا يوحد بين قبائل السود في جنوب أفريقيا، وناشطًا في محو الأمية لدى الفقراء السود.
علاوة على الأحداث المشوقة، يضم الفيلم العديد من اللمسات اللطيفة للغاية، مثل العنصرية السامة والراقية التي جرى التعبير عنها على مائدة طعام لوزير في الحكومة، وأيضًا المناظر الطبيعية المفعمة بالجمال، وروعة وسطوع الموسيقى التصويرية. كما يحملك الفيلم إلى حضور عرض كورال بديع في السجن، وينتهي بلوحة فنية تلمس شيئًا ما بداخلنا.
لا يمكن إنكار جاذبية The Power of one وتلك اللوحة البلاغية التي رسمها عن الخير والشر، لكن هل يمكن أن نسامح فيلمًا قلل من قدر السود، وأظهرهم كما لو أنهم غير قادرين على مساعدة أنفسهم، في انتظار ذلك المخلص الأبيض؟
عبد الحكيم الرويضي - أراجيك