بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على اشرف الانبياء و المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه و سلم
من هو الانسان ؟
الانسان هو مخلوق يتكون من ثلاثة عناصر ( الجسدي ، العقلي ، الروحي ) له القدرة على التفكير و الكلام و المعرفة و العمل لكنه لا يستطيع ان ينجح بدون مساعدة الاخرين له شاء ام ابى سواء كان طفلاً صغيراً او شاباً يافعاً او شيخاً كبيراً ، فهو " كائن اجتماعي " يعتمد اساساً على التعاون من اجل البقاء و الازدهار.
فِهمِ هذا التعاون كيف يَنجحْ او يَفشلْ هو جزء لا يتجزأ من حل العديد من التحديات العالمية التي نُواجهها فالطبيعة الاجتماعية التعاونية تكمن في صميم حياة الانسان و المجتمع ، لذلك دراسة السلوك البشري مهم من اجل تحفيز و نجاح التعاون بينهم والابتعاد عن الفشل .
كما ان الرغبة في التعاون الايجابي هي فرصة معطاة لنا جميعاً فهي صفة طبيعية موجودة في كل منا ، حيث تشير الدراسات الى ان الأطفال الى عمر 6 سنوات يجدون طرق تلقائية للتعاون الإيجابي و هناك ادلة كثيرة على اكتساب الأطفال مفاهيم الانصاف منذ وقت مبكر بشكل مدهش ، و لكن هذ التنسيق بين البالغين يفشل بشكل كثير [1]
في حديث الرسول ﷺ :
يولد المولود على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه
و الفطرة كلمة عربية تشير الى الخلقة او الطبيعة الانسانية الاولى و هي موضوعة و مبرمجة على مباديء الدين الاسلامي من " أحسان و تعاون و صدق و محبة و غيرها " مما امر الله بها البالغين في القران الكريم و الحكمة النبوية .
قال تعالى :
تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة 2) -
حيث يدعو الله عز و جل البالغين الى التعاون الإيجابي المبرمج في الطبيعة البشرية الأولية و نبذ التعاون السلبي الذي يسير بالمجموعة الى معاداة الاخرين .
التعاون الإيجابي من اسمى المعاني التي ارساها الإسلام لضمان ديمومة المجتمع الى السلام و التكافل، خصوصاً ان اطوار الحياة غير ثابتة فالصحة تتحول الى مرض و الغنى يتحول الى فقر و هكذا كل شيء يدور في فلك. و ما ان يستشعر جميع الافراد أهمية التعاون و تطبيقه في حياتهم يعيشون في امان و راحة بال فأيديهم تمسك ايدي بعض.
ومن مأثور الحكمةِ :
أنّ المرء قليلٌ بنفسهِ كثيرٌ بإخوانهِ -
ان إنعدام قدرة الانسان على العيش و الاستمرارية بدون مساعدة الاخرين يدل على ضعفه و انكساره كذلك يحد من حريته المعطاة أمام المجتمع بناءً على أسباب أخلاقية و اجتماعية تربطه بذلك المجتمع الذي يعيش فيه، و من هنا وجب تنظيم علاقته مع الاخرين وفق شريعة صالحة تحكم تصرفاته و تصرفات الاخرين تجاهه لذا كان من الضروري معالجة المجتمع بشريعة سماوية صالحة لكل وقت و حين يدين بها المجتمع و يؤمن بها و هذا هو سبب بعثة الأنبياء و نزول الكتب السماوية لتقويم المجتمع بجميع افراده على " شريعة واحدة دائمة" تهدف الى افشاء السلام و الأمان و الوحدة بين أبناء المجتمع الذي يدين بتلك الشريعة
سميت هذه الشريعة بـ " الإسلام " فقد كان من اعظم اهداف نزولها هو احلال السلام في التعاملات البشرية المختلفة و منع أسباب الضغينة من حقد و سرقة و زنا و غش و كذب .
قال تعالى :
- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير (13 الحجرات)
لاحظ صيغة الخطاب قبل معناه ، فالله عز و جل منذ خلق ادم و هو يتحدث مع الانسان بالجمع لا بالفرد ، كون الانسان هو جزء من مجتمع ذو طبيعة اجتماعية لا يستطيع الانفكاك عنه الا بالحبس او النفي او ألمرض المعدي، اما في حالة الانسان الطبيعي فهو يتعامل يومياً مع محيطه سواء عن طريق العمل او الدراسة او غيرها من الظروف المعيشية الأخرى .
و من هنا ، على كل انسان ان يجد المجموعة البشرية التي تلائم مبادئهِ و أخلاقهِ و أهدافهِ ليضع نفسه تحت فئة معنية من البشر ، و يبقى الرابط الأساسي بينهم الذي يديم علاقاتهم هي " المصالح " كالتجارة او التعلم او السفر او غيرها من حوائج البشر ، و بهذا يخدم بعضهم بعضاً لتعم الفائدة عليهم جميعاً
يقول تعالى :
-وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (الزخرف 32)
أن هدف تنوع أشغال البشر و مراتب علمهم من مدير، طبيب، معلم ، مهندس ، حداد او صانع او خادم هو خدمة بعضهم البعض فكلمة " سخرياً " تعني تقديم عمل او خدمة مقابل خدمة أخرى او عمل و ليس مقابل المال .
كما ان كلمة " سخرياً " تكشف النقاب عن حقبة زمنية كبيرة من تاريخ البشرية حين لم يكن المال موجوداً او مذكوراً ، فتسجيل التداول بالمال او بالذهب في التاريخ بدأ منذ 3000 عام فقط حيث كان الناس قبل الاموال يتبادلون خدماتهم، أعمالهم و منتجاتهم مع بعضهم البعض .
و في خضم الصراعات المجتمعية و الفردية يستطيع الانسان الترفع في المراتب الاجتماعية حتى الوصول الى لقب " سوبر او كامل " عند تحليه بثلاثة عناصر رئيسية و هي الطاقة و الفكر و الاعتزاز بالنفس ، فأذا امتلك القوة و الفضيلة سيتمكن الانسان من الحفاظ على حياته و الانتصار و الفوز . المشكلة ان مثل هذا الانسان " السوبر " لا يمكن ايجاده الا من خلال تعليمه الشجاعة و الاستعداد للتضحية و ممارستهما جنباً الى جنب تطبيق السلوك الأخلاقي الجيد لتعظيم درجته و مجده و قيمته [2] .
قال تعالى :
- - لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
كما ترى فأن صلاة المؤمنين و اتجاه صلاتهم هي ليست شكليات دينية فقط بل تخفي داخلها روحانيات تتمثل بالتضحية بالمال الى جهة المساكين و الاقرباء و السائلين ، كما و لديهم شجاعة الصبر على ما اصابهم و يتقون عذاب الله بالتسليم لله في البأساء و الضراء ، بينما المنافقين يعتمدون على صلاة ميتة خالية من الروح لاقناع المجتمع انهم مسلمين.
المصادر
[1] Nature Human Behavior, “The cooperative human”, vol.2, pp. 427- 428, 2018
[2] M Chairul Basrun Umanailo, “Human nature as Individual and Social Beings, the Dynamics and Dilemma of Social Interaction”, ResearchGate,