شهدت المعجمية الدينية والوطنية مثل: الثورة، الحرية، الجهاد، الشهادة، تعويما وتعميما وتشويها للمعنى وفساداً في التأويل، مع نشوء الجماعات الدينية القتالية في أفغانستان، التي تحوّلت إلى تنظيم عالمي لا يعترف بالحدود الوطنية وبالولاء للدولة، واعتبرت الغرب والعالم الإسلامي دار كفر، ومن ثم وجب الجهاد من أجل ما يسمى ''دار الإيمان''، ويشارك هذا التنظيم ''القاعدة'' تنظيمات جديدة جهادية وحزبية في بلدان عربية، انتعشت مع ما يسمى ''الربيع العربي'' الذي ساهم، أيضا، في فوضى ''المعجمية التقليدية'' الموروثة منذ الحركة الوطنية وثورات التحرير في مصر وسوريا واليمن والمغرب العربي والسودان، باستثناء دول الخليج، التي لم تمرّ بالتجربة التاريخية نفسها، أي مواجهة الاحتلال بالثورة، ولذلك يمكن القول إن تلك ''المعجمية'' المشار إليها تشكِّل ''ثـروة رمزية'' لبعض بلداننا، تحتاجها كقوة نفسية وإعلامية في الأزمات، بل، أيضا، هي معين تاريخي روحي- حتى لو عبث بها بعضهم، واتخذها شرعية وتعسّف في استعمالها- ومن أكثـر الألفاظ استعمالا اليوم ''الشهيد''، فالمقتول عند الطرفين المتقاتلين في سوريا مثلا يسمى ''شهيدا''، ومثل ذلك في بلدان أخرى.
كما تستعمل الآيات الدالة على ذلك شعارات في المظاهرات والتجمعات، بل حتى الفئات اليسارية تتبنى لفظ ''الشهيد'' لما يحمله من دلالة وتعبئة نفسية وكسب التعاطف، وقد تذكرت ذلك في ''يوم الشهيد'' خطورة استخدام ''العملة الرمزية'' في فضاء إعلام البلدان ''الربيعية''، من تأويل وتغيير يقطعنا عن مرحلة تدشينية للدولة العربية المعاصرة.
الاستشهاد يعني تحرير الأرض والحرية والكرامة بلفظ ''الشهادة'' لا إله إلا الله، كما كان التكبير محمّلا بالانتصار والإخلاص للأمانة الموروثة عن الأجداد، ولتحقيق معنى ''الخلافة في الأرض''، ومثل ذلك ألفاظ ''الثورة'' و''الحرية'' و''الاستقلال''.
إن الاستحواذ على هذه ''المعجمية الرمزية''، استعمالا وتأويلا، يشترك فيه، أيضا، من يحوِّلها إلى شرعية للاستبداد وللريع وللبزنسة باسم الشهداء، ومن هنا نحتاج إلى مدوّنة أخلاقية وقانونية تحمي هذه ''المعجمية'' من انزلاق المعنى الجوهري، فقد كان الاقتتال واضحا في القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، بين محتَلّ غاصِب وشعب مغلوب، بين ديانتين وثقافتين وتاريخين مختلفين، ولكن اليوم بين معارضة تلبس ما تشاء، ولها الحقّ في رفض أنظمتها وسُلط قائمة، بعضها حافظ على صورة المغتصب باستبداده وفساده وظلمه، مما سمح للغاضبين الاستحواذ، أيضا، على ميراث رمزي.