عندما يجد نفسه محاطا بأطفال من عمره.. ما تأثير الصداقات المدرسية عليه؟
الصداقة المدرسية تفتح للطفل آفاقا جديدة وتساهم في تطوره العقلي عبر نمو المنطق والحجة لديه
عندما يجد الطفل نفسه محاطا بأطفال من عمره يواجهون الصعاب نفسها يسيطر عليه الشعور بالأمان (بيكسلز)
الصداقة بين الأطفال من أصدق العلاقات على الإطلاق، إذ لا يختار الطفل صديقه المفضل بسبب مصالحه، وإنما يتم تلقائيا فور انسجامه مع هذا الطفل. لذلك تكوين صداقات الطفولة في المدرسة يرسم شخصية الطفل.
تبدأ صداقة الطفل بالرغبة في اللعب واللهو والمرح مع طفل ينسجم معه، وبعد فترة نجده يشتاق للقائه ويغضب عند فراقه. يحدث كل هذا دون مجاملات. ولكن تأثيرها الصحي والنفسي والتربوي والاجتماعي كبير.
محو السلبيات وتشجيع الإيجابيات
تقول الأم هدى أيوب إنها شجعت طفلها آدم (6 أعوام) كثيرا لدى ذهابه إلى المدرسة على تكوين الصداقات، وحاولت إقناعه بالمشاركة في أنشطة جماعية ليتعرف أكثر على الأصدقاء والتقرب منهم، وحاولت تعليمه أهمية أن يعتذر ويتفهم الآخر ويهتم بالمشاركة والمساعدة، ليبتعد عن الانطواء والعزلة.
الصداقة المدرسية شجعت الإيجابيات لدى آدم وفّرغت كل الشحنات الزائدة لديه باللعب وممارسة الهوايات
فهي ترغب أن تنمو شخصيته ويندمج في المجتمع، ويزيل حاجز الخوف والخجل ليشعر بالثقة في النفس ويستطيع اللعب مع غيره بحرية، لأن صداقات المدرسة تلعب دورا هاما في تغيير السلوك نحو الأفضل.وتضيف هدى "أيامه الأولى في المدرسة كانت شديدة الصعوبة، وعلمت من المعلمات أنه كان شديد البكاء، ولا يريد مصادقة أحد ويخجل عندما يتحدث إليه زملاؤه".
ففكرت مع إحدى المعلمات في خطة ليتجاوز هذا الحاجز، وبمساعدة أحد التلاميذ ليبقى معه ويجعله يشارك في نشاط معين، وكانت الطريقة الوحيدة لكسر حاجز الصمت وتجاوز الخجل الزائد وجعله أكثر قربا من زملائه في الصف، ومع مرور الوقت تغيّر سلوكه نحو الأفضل وصار يتمتع بشخصية متوازنة، لأن الصداقة المدرسية محت كل السلبيات وشجعت الإيجابيات. كما أن الصداقة فّرغت الشحنات الزائدة لديه باللعب وممارسة الهوايات.
تعليم ثقافة الاعتذار للأطفال أمر في غاية الأهمية بحسب المرشدة التربوية منى بداوي
دعم الأهل لكسب الأصدقاء
أما المرشدة التربوية منى بداوي فتشير إلى كيفية تدعيم الوالدين صداقة طفلهم بطرق عدة من أهمها:
- إشراك الطفل في أنشطة جماعية مدرسية.
- ترك الحرية للطفل لاختيار الصديق مع مراقبته للاطمئنان.
- تشجيع الأبناء على الصداقة، فهي مهمة جدا في حياة الطفل وتكوين شخصيته ونمو قدراته ومهاراته وتحسين نفسيته وتعزيز ثقته بنفسه.
- إتاحة الفرصة للطفل ليعقد صداقات مع من حوله، شرط تقارب السن حتى لا يسيطر الكبير على الصغير فتصبح شخصيته تبعية تعاني من السلبيات.
- الحرص على المشاركة في عدة أنشطة اجتماعية.
- إفساح المجال للطفل ليختار أصدقاء يتشاركون معه اهتماماته وهواياته ليشعر بثقته بنفسه دون الحاجة للمساعدة.
- مشاركة الطفل بعض النصائح، وتعليمه كيف يقدم ثقافة الاعتذار إذا كان هو المخطئ، والتحدث إليه عما حدث ودعمه نفسيا.
المعالجة النفسية جانيت سويد: الصداقة المدرسية تساعد على تنمية ثقة الطفل بنفسه واستقلاله
الصداقة وشخصية الطفل
تشرح الاختصاصية والمعالجة النفسية جانيت سويد للجزيرة نت قائلة إن "الطفل يبدأ بإنشاء علاقة صداقة وتطويرها بعد انتقاله من المنزل إلى الحضانة أو المدرسة ليكتشف طباع وشخصية الأشخاص المحيطين به، خصوصا من هم في العمر نفسه ممن يشبهونه أو ممن يختلفون عنه إلى حد ما، ليجد نقاطا مشتركة أو متناقضة فيما بينهم، وما لذلك من تأثير إيجابي على شخصية الطفل".
وتعدد سويد أبرز هذه الحسنات، ومنها:
الصداقة تنمي الشعور بالأمان: عندما يترك الطفل منزله وأهله متوجها للمرة الأولى إلى الحضانة أو المدرسة، يشعر بخوف وقلق وصعوبة جراء الانتقال إلى مكان جديد. لكن عندما يجد نفسه مع أطفال من عمره يواجهون الصعاب نفسها، ينشأ لديه شعور بالأمان لمجرد أنه محاط بالأصدقاء.
تساعد على إثبات الذات: الصديق لا يشبهنا دوما، فقد يملك صفات وطباعا ورغبات مختلفة. ولكن هذه الاختلافات تجعلنا نتعرف على أنفسنا أكثر، على رغباتنا، ماذا نحب؟ وماذا نكره؟ فنبدأ بتكوين آرائنا وشخصيتنا الاجتماعية. حين يتكتل الأطفال في المدرسة مؤسسين مجموعات، منهم من ينصب نفسه قائدا، ومنهم من يكون من التابعين، فيختار الطفل تاليا المجموعة الأقرب إلى شخصيته وأهدافه بغية الانضمام إليها، محاولاً على أثرها إثبات شخصيته داخلها.
الصداقة تعلم المشاركة: من خلال الصداقة يبدأ الأطفال بتبادل الطعام أو الألعاب، ومن هنا يبرز لديهم حس المشاركة. وينمو هذا الإحساس وصولا إلى سن المراهقة لتشارك المعتقدات ومعايير البيئة العائلية، لتصبح تحت المجهر، ومن هنا تبدأ أول خطوة في الاستقلال حتى سن الرشد.
الصداقة تدفع نحو الانفتاح: تساعد الصداقة على التعرف إلى الآخر المختلف عنا اجتماعيا أو دينيا، فنتعرف على طرق عيش مغايرة لتلك التي اعتدنا عليها لناحية أسلوب الحياة والنشاطات الاجتماعية والمعتقدات.
تفتح أفق الطفل: تفتح الصداقة لنا أبوابا متشعبة، وتعطينا آفاقا واسعة أكبر من العائلة. فمن دون الصداقة لا يمكننا خوض تجارب وتعلم ثقافات جديدة.
الصداقة تساعد على تنمية ثقة الطفل في نفسه واستقلاله وجعله أكثر قربا من الآخرين (بيكسلز)
الصداقة آفاق جديدة
وفي الخلاصة، تؤكد سويد على أهمية الصداقة، لافتة إلى أنها "تساعد على تنمية ثقة الطفل بنفسه واستقلاله وجعله أكثر قربا من الناس. وعندما يملك الطفل أصدقاء تصبح لديه شبكة دعم يتشارك معها الهموم والمشاكل، وأوقات السعادة والفرح. والصداقة مهمة إذ تجعلنا ندرك أيضا شخصيتنا ومكنوناتها وموقعنا في المجتمع، وهي تفتح للطفل آفاقا جديدة، وتساهم في تطوره العقلي عبر نمو المنطق والحجة لديه".وتشير سويد إلى أهمية دور الأهل قائلة "يجب أن نتقبل أصدقاء أطفالنا، ونشجعهم على الانفتاح. فإذا لم يكوّن الطفل صداقات سيحرم من المشاركة والمرح والتخطيط لمشاريع أو الدخول ضمن مجموعات، وبالتالي سيخسر الحسنات التي سبق لنا ذكرها".