المحقق الفني آرثر براند (الفرنسية)
أمضى آرثر براند -الذي أطلق عليه لقب "إنديانا جونز عالم الفن"- حياته في تعقب أعظم الأعمال الفنية المسروقة من بيكاسو إلى فان غوخ. يعمل في جوف الليل، بينما باقي العالم ينامون. عندما يتصل شخص ما ببراند في شقته بأمستردام في وقت متأخر، لا يمكن له أن يخبره أن الوقت غير مناسب.
يقول المحقق براند "علي أن أعمل 24 ساعة 7 أيام في الأسبوع. إذا منحت المتصل بعض الوقت لإعادة التفكير، فلن يعاود الاتصال مجددا".
يمكن أن تكون المكالمة معلومة أو اعترافا أو استغاثة من نوع ما، أي شيء يمكن أن يساعد براند في تعقب أثر عمل فني بملايين الدولارات.
في مارس/آذار الماضي استعاد المحقق البالغ من العمر 50 عاما لوحة بيكاسو "Buste de femme" التي تساوي ما يقرب من 86 مليون دولار.
بدايات المخبر الفني
كان براند يعيش في جنوب إسبانيا طالب تبادل ثقافي وفني، مهتما بعالم الفن. انضم إلى بعض الغجر في رحلته للبحث عن كنز قديم، واكتشف 3 عملات معدنية قديمة. من هنا قرر أن يقوم مستقبله على التحقيق في الماضي. بدأ بتمشيط الصحف بحثا عن قصص الأعمال الفنية المسروقة، وكتابة أسماء الأشخاص المتورطين وتتبع الحكايات المتشابكة. من هنا أصبح أول مخبر فني في التاريخ.
عمل على قضايا مختلفة، منها سرقة لوحات جورج براك من متحف سويدي، كما يعمل حاليا على سرقة متحف إيزابيلا ستيوارت غاردنر في بوسطن والتي حدثت عام 1990 ولم تحل كليا حتى الآن. وتعتبر أكبر سرقة فنية في التاريخ، حيث سرقت أعمال فنية تبلغ قيمتها ما يقرب من 500 مليون دولار، من المتحف بواسطة لصين يرتديان ملابس الشرطة.
أمضى براند حياته في تعقب أعظم الأعمال الفنية المسروقة من بيكاسو إلى فان غوخ (الفرنسية)
ورغم شهرة براند كمخبر فني، فإن مصدر دخله الرئيسي هو الاستشارات الفنية التقليدية، لأنه في الغالب يتولى التحقيق في السرقات الفنية على نفقته الشخصية. هناك مرة واحدة فقط عندما عين من قبل متحف بشكل رسمي للتحقيق في سرقة فنية. كما أنه نادرا ما يتلقى مكافأة مالية مباشرة مقابل نجاحاته، رغم أنه قبل مبلغا متواضعا قدره 3 آلاف جنيه إسترليني مقابل استرداده لوحة بيكاسو الشهيرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
يذكر براند أنه بعدما استعاد خاتم أوسكار وايلد الشهير، وأرسل الصورة لمتحف كلية ماغدالين بجامعة أكسفورد، أخبروه أنه ليس الخاتم الحقيقي. واعتقدوا أن النقش الروماني على الخاتم الحقيقي بالداخل وليس الخارج. لم يصدق براند كونهم شككوا في عمله. يقول "أنا لا أستطيع قيادة السيارات، ولا تغيير اللمبة، لكنني لا أخطئ أبدا في عملي".كان براند مقتنعا أن كلية ماغدالين على خطأ. أعاد بحثه مجددا حتى اكتشف رسالة لوايلد يقول فيها إن النقش موجود في الخارج. يذكر أن ذلك الخاتم كان ملكا للكاتب الإيرلندي الشهير أوسكار وايلد، وقدمه هدية لزميل له عام 1876، لكنه سرق من كلية ماغدالين بجامعة أكسفورد حيث درس الكاتب الشهير.
سرقات لا تؤذي أحدا
ينظر العالم إلى سرقات الفن نظرة مختلفة عن السرقات العادية، بل ربما ينظر إليها كمغامرة مثيرة، لأنها سرقات لا تؤذي أحدا. البعض ينظر إلى سرقة الفن أيضا على أنها انتصار على المؤسسات الرأسمالية متمثلة في المتاحف وصالات العرض وأثرياء العالم. لكن نظرا لأن كل لص جيد يحتاج إلى شرطي جيد، فإن براند يعتبر شرطي الأعمال الفنية، الخبير الحارس الذي يعيد الأعمال الفنية لأصحابها الأصليين.
غالبا ما يأتي دور براند بعد أن ينتهي دور الشرطة. عند سرقة لوحة من متحف ما، تبحث الشرطة عن أدلة، وتحاول ربط الخيوط، لكن مع مرور الوقت، وعندما لا تستطيع الشرطة الوصول لمكان اللوحة، يأتي دور براند. يمكن أن يستغرق البحث عن لوحة ما يصل إلى 8 سنوات. يقول براند في حديث له "إنها مهمة شاقة للغاية. الكثير من العرق والمجهود، ولا أحد يدفع لك. لكن كتبي تترجم إلى 7 أو 8 لغات".
رغم شهرة براند كمخبر فني فإن مصدر دخله الرئيسي هو الاستشارات الفنية التقليدية (الأوروبية)
سباق ضد الزمن
نهاية عام 2018 تلقى براند مكالمة من تاجر فنون إيراني يعيش في ألمانيا. أخبره أنه قبل 11 عاما سرقت بعض الكتب القيمة من جعفر غازي جامع الكتب الإيراني الذي يعيش في ميونخ. أخبر تاجر الأعمال الفنية براند أن 3 رجال من السفارة الإيرانية تواصلوا معه للبحث عن كتاب بعنوان "ديوان حافظ" وهو مخطوطة من القرن الـ 15، تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية.رغم أن الكتاب ينتمي إلى ألمانيا بشكل قانوني فإن الإيرانيين إذا وجدوا الكتاب يمكنهم إعادته إلى إيران ببساطة. أخبر براند التاجر أنه إذا وجد المخطوطة قبل الرجال الإيرانيين فإنها تعود إلى المالك القانوني دون أن يصيبه أي ضرر.
بدأ براند تحقيقه من لندن، لأنها أحد أهم مراكز عالم الفن المسروق، ولأن العديد من الأثرياء الإيرانيين يعيشون هناك. بدأ براند اتصالاته حتى وصل لشخص يعرف الرجل الذي اشترى الكتاب، وأخبره أنه سافر إلى باريس بعد أن عرف أن هناك من يبحث خلفه. وجه براند للرجل تهديدا غير مباشر مع الوسيط، وأخبره أنه إذا لم يعد إلى لندن فسيخبر الإيرانيين باسمه ومكانه.نجح التهديد، وبالفعل عاد الرجل مع الكتاب إلى باريس خوفا من أن يصل إليه الإيرانيون ويقتلوه للوصول إلى المخطوطة. سلم الرجل المخطوطة لبراند الذي أخذها بدوره، وسافر إلى ألمانيا لتسليمها إلى عائلة غازي.
الانطباع الذي يصل من خلال حكايات براند أن عالم الفن لا يختلف كثيرا عن عالم الإجرام (الأوروبية)
الانطباع الذي يصل من خلال حكايات براند أن عالم الفن لا يختلف كثيرا عن العالم الإجرامي، حيث إن الفن المزيف هو ثالث أكبر نشاط إجرامي على وجه الأرض بعد المخدرات والأسلحة. كما يعتمد عالم الفن الإجرامي على التسلسل الهرمي. يوجد في أسفل الهرم مئات الآلاف من الأشخاص، لكن في قمة الهرم لا يوجد سوى 30 أو 40 شخصا يتحكمون في سوق الفن غير القانوني بالكامل.