شيّد الفينيقيون "لبتيس ماغنا" المسماة "لبدة الكبرى" ثم احتلها الرومان، وفيها ولد الإمبراطور سيبتموس سيفيروس الذي حكمها بين عامي 193 و211 وجعل منها إحدى أجمل مدن الامبراطورية الرومانية آنذاك، بحسب منظمة اليونسكو.
قوس سبتيموس سيفروس في لبدة الرومانية القديمة بالقرب من مدينة الخمس الساحلية الليبية على بعد 120 كلم شرق العاصمة طرابلس (الفرنسية)
يقتصر عدد المسجلين على بضع عشرات في دفتر زوّار موقع لبدة الأثري الواقع غرب ليبيا، مع أن هذا المعلم التاريخي المنسي الذي يوصف بأنه "روما أفريقيا" يتمتع بمقومات يمكن أن تجعله وجهة سياحية من الدرجة الأولى.
لا يستقطب هذا الأثر الروماني المهمّ المشرف على البحر بمدينة الخُمس (غرب ليبيا) سوى قلّة من الزوار، وبالكاد يطوف عدد محدود منهم في ممرّات الموقع المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
ويقول المواطن الستيني عبد السلام ويبة لوكالة الأنباء الفرنسية خلال زيارته المكان "عندما تدخله، كأنك تعود قروناً إلى الوراء".
شيّد الفينيقيون "لبتيس ماغنا" المعروفة بـ "لبدة الكبرى" ثم احتلها الرومان، وفيها ولد الإمبراطور سيبتموس سيفروس الذي حكمها بين عامي 193 و211 وجعل منها إحدى أجمل مدن الامبراطورية الرومانية آنذاك، بحسب منظمة اليونسكو.
وقد شيّد فيها الإمبراطور بازيليكا وميداناً لسباقات الخيل ومسرحاً يستوعب 15 ألف متفرج، ويوفر إطلالة خلّابة على البحر الأبيض المتوسط.
ويرى مواطن آخر هو أحمد العميم، كمعظم زوار المعلم الأثري، أمام نصب يشبه قوس النصر الباريسي، أن السياح الذين يزورون ليبيا "من الضروري أن يمروا" بموقع لبدة الذي تبلغ مساحته نحو 50 هكتاراً.
"تقريبا غير مستكشفة"
أما إيهاب، فجاء مع عائلته من العاصمة طرابلس التي تبعد 120 كيلومترا عن المكان، ويتذكر أنه زار لبدة صغيراً، ويقول "كنت تلميذا واليوم أعود مع أبنائي".
ويلاحظ الطبيب البالغ من العمر 34 عاما أنها "مدينة جميلة، وهي أجمل موقع روماني خارج إيطاليا" مشيراً إلى أنها "تقريبا غير مستكشَفة".
حمامات هادريان في مدينة لبدة الرومانية القديمة بليبيا (الفرنسية)
وأثار تدهور الوضع الأمني والفوضى في البلاد منذ 10 سنوات مخاوف حول مصير هذا التراث المهمّ الذي صنفته منظمة اليونسكو عام 2016 مع 3 مواقع أخرى من بين أهم الأماكن التراثية العالمية المعرّضة للخطر.
ونجا موقع "لبتيس ماغنا" بآثاره الأخاذة من الصراع المسلح الذي شهدته ليبيا بالعقد الأخير، ويؤكد رئيس مصلحة الآثار بالموقع عز الدين الفقيه للوكالة الفرنسية أن "المدينة لم تتعرض رغم الحروب لأي هجوم أو تهديد مباشر بعد الثورة".
غير أن الموقع مهمّش ويشكو نقصا في الموارد "والدعم الحكومي منعدم" بحسب الفقيه.
أقواس عليها رؤوس منحوتة على الطراز الروماني القديم بمدينة لبدة التي أصبحت مهملة من السياح (الفرنسية)
ويتابع "عام 2020، تمكنّا مع ذلك من إطلاق مشاريع كان من المفترض تنفيذها قبل 50 عامًا، كغلق المنطقة الشرقية، وتركيب مرافق حيوية وهي حمّامات عامة ومكاتب إدارية، لكن الحفريات توقفت، وأعمال الصيانة تبقى سريعة ومستعجلة".
ويوضح المسؤول أن "ثمة مشاكل أكبر" ينبغي حلّها، بالنسبة إلى الحكومات الحالية.
وتوقف عمل بعثات الحفريات الأوروبية، وخصوصاً الإيطالية والفرنسية، بسبب انعدام الاستقرار في البلاد.
مصدر دخل
وشهد القطاع السياحي في ليبيا طفرة خجولة في العقد الأول من القرن الـ 21، لكنه يبقى اليوم مغيّباً بهذا البلد الذي لا يزال سلامه هشّاً ويعتمد اقتصاده أساسا على النفط.
أعمدة رخامية قديمة في لبدة أجمل مدن الإمبراطورية الرومانية (الفرنسية)
وكان بالإمكان في تلك المرحلة زيارة ليبيا بعد عزلة طويلة عن المجتمع الدولي. فعلى إثر رفع الحظر الأممي عليها عام 2003، تم منح تأشيرات سياحية للمرة الأولى، واستُحدثَت وزارة خاصة بهذا القطاع الإستراتيجي بهدف دفعه وتطويره آنذاك.
غير أنه أمام "روما أفريقيا" فرصة اليوم في ظل استعداد ليبيا لطيّ صفحة عقد من الفوضى، ويرى الفقيه أن هذا الموقع يمكن أن يشكّل للبلد الذي يبلغ عدد سكانه 7 ملايين نسمة "مصدر دخل" وأن "يوفّر آلاف الوظائف، إذا تم استغلاله بالطريقة الصحيحة".
ويضيف رئيس مصلحة الآثار أن الموقع قادر على استقطاب "ملايين السيّاح" مما يساهم في ضخّ "مليارات الدولارات في رصيد الدولة".
ويعتبر أن "مدينة لبدة تزداد أهمية بمرور الزمن وسيأتي يوم يختفي فيه النفط لكن لبدة باقية".
ويدعم عمر حديدان (49 عاماً) هذا التوجه ملاحظاً أن المدينة "أهملت دائما من قبل الدولة ولا توجد حفريات ولا اكتشافات جديدة ولا حملة سياحية".