دور النشر تتأهب لمزاد على ميراثه.. هل يخفض النشر الإلكتروني القيمة المادية لتركة نجيب محفوظ؟
الأديب المصري نجيب محفوظ كان الكاتب العربي الوحيد الذي نال جائزة نوبل للآداب، ولا تزال أعماله في صدار مبيعات الكتب (مواقع التواصل)رحّب أدباء وقراء لمؤلفات الأديب الراحل نجيب محفوظ بخطوة تعاقد أسرته مع مؤسسة هنداوي لنشر مؤلفات محفوظ على منصتها الإلكترونية.
وقالت المؤسسة عبر حسابها على "تويتر" (Twitter) "تعاقدت مؤسسة هنداوي مع أسرة الأديب العالمي نجيب محفوظ لنشر أعماله الكاملة عبر منصاتها الإلكترونية مجانا".
والتعاقد بين أسرة الأديب والمؤسسة غير حصري، إذ يحق للأسرة التعاقد مع مؤسسات أخرى للنشر الورقي والإلكتروني معا.
في خبر سعيد أن مؤسسة هنداوي أخدت حقوق روايات عمنا نجيب محفوظ.
على الأقل الروايات اللي كانت الشروق أجلت طباعتها سنين هتتوفر PDf بشكل شرعي
خفض القيمة
ووسط ترحيب المهتمين، رأى متابعون للشأن الثقافي في مصر أن قلق الناشر الحالي يؤشر إلى خطوة عدم تجديد التعاقد مع المؤسسة.وقال مقربون من أسرة محفوظ للجزيرة نت إن ابنة الأديب الراحل أم كلثوم تفاوضت مع دار الشروق لتحسين شروط العقد المبرم منذ نهاية القرن الماضي، سعيا للحصول على نصيب أكبر من عوائد مبيعات المؤلفات، غير أن المؤسسة تمسكت ببنود التعاقد مع نجيب محفوظ في حياته.
وينتهي عقد مؤسسة الشروق العام المقبل، وتتجه ابنة محفوظ للتعاقد مع مؤسسات أخرى، وقالت مصادر مطلعة للجزيرة نت إن المفاوضات مع الشروق تعثرت نظرا لضآلة المبلغ المعروض من الشروق للابنة، في حين تلقت الأخيرة عروضا بأضعاف المبلغ من دور نشر عربية وعالمية.
وينص قانون الملكية الفكرية الدولي على دوام حقوق المؤلف بعد وفاته بخمسين عاما على الأقل، بعدها تصبح مشاعا، وتقدّم حزب الوفد قبل سنوات بمشروع قانون لتمديد الفترة إلى 70 عاما، وتمت الموافقة عليه.وقالت أم كلثوم، في تصريحات صحفية، إنها ستنشر كتب والدها بصور إلكترونية بعد انتهاء عقد دار الشروق المقرر في أبريل/نيسان المقبل.
وأبدت الابنة دهشتها من غضب "البعض" من هذا الاتفاق الخاص بالنشر الإلكتروني، "دون أن يتصدوا للسطو الإلكتروني على مؤلفات الأديب"، ورغم ذلك تستمر مبيعاته، معربة عن اعتقادها بأن الغضب مبعثه "حصول الأسرة على مقابل مادي مقابل منح هذا الحق لمؤسسة هنداوي".
ولم يغضب الاتفاق مع هنداوي دار الشروق فحسب، بل أقلق كذلك دور نشر أخرى كانت تأمل في اقتناص فرصة نشر أعمال أديب الحرافيش بالكامل، باعتبار أن "النشر الإلكتروني يقلل من فرص ربحهم عبر الورقي"، بحسب ناشرين.
وخسرت ابنة محفوظ وآخرون دعوى قضائية قبل شهرين ضد الجامعة الأميركية بالقاهرة بشأن نشر مؤلفات الأديب دون إذن، واستند رفض المحكمة لوجود تعاقد بين الأديب الراحل والجامعة بنشر مؤلفاته.
واتهمت أم كلثوم دار الشروق بأنها باعت حقوق أعمال محفوظ لدور نشر وشركات إنتاج أميركية دون الرجوع إلى أسرته.
تركة ثمينة
وتوفي محفوظ عام 2006 تاركا إرثا كبيرا من الروايات، كما كتب مجموعات من القصص القصيرة وسيناريوهات عدد من الأفلام، وحصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1988، وتسلمت ابنتاه فاتن وأم كلثوم الجائزة نيابة عنه، وتوفت فاتن عام 2017.وبدأت أم كلثوم في الخروج للحياة العامة عقب وفاة شقيقتها لتفجّر مفاجأة في أول ظهور إعلامي لها، مؤكدة أن قلادة النيل التي منحتها الرئاسة لوالدها مغشوشة وليست من الذهب كما هو معمول به.
وقالت مصادر قريبة من المفاوضات التي جرت بين الجانبين، إن الشروق عرضت على الابنة المبلغ المعمول نفسه به منذ 20 عاما، في حين تلقت عرضا لتعاقد جديد من إحدى دور النشر العربية بمليون دولار، وعرضت إحدى دور النشر السعودية مبلغا يزيد عن 3 ملايين دولار.
ورأى الناشر محمد البعلي أن الابنة لا تزال لديها فرصة للتعاقد مع دور نشر أخرى، وفق بنود العقد المبرم مع هنداوي.ونفى البعلي -وهو مدير دار صفصافة للنشر- أي تأثير سلبي للنشر الإلكتروني على الورقي، مؤكدا أن الكتاب الورقي لا يزال في صدارة الطلب حتى لو أتيحت نسخة مجانية إلكترونية منه، وهي لن تكون أبدا بديلا عنه، مستدلا على ذلك بملايين الزوار لمعارض الكتاب وتفضيلهم شراء المطبوع.
وأعرب المتحدث عن اعتقاده بأن فائدة مثل هذا التعاقد للنشر الإلكتروني تتمثل في توسيع انتشار ووصول الكتاب للمناطق النائية والتي يصلها الإنترنت ولا تصلها الكتب المطبوعة بوفرة، فضلاً عن أنها ستساهم في وقف ظاهرة السطو على المؤلفات وبيعها إلكترونيا.
وتعد مؤلفات نجيب محفوظ هي الأكثر مبيعا من بين المؤلفات الأدبية، ولا يوجد إحصاء واف ودقيق بحجم المبيعات في ظل حالة النسخ غير المشروع وبيع المؤلفات على الأرصفة، إلا أن مسؤولي نشر رسميين صرحوا من قبل في حياة محفوظ بأن مبيعاته الرسمية تصل لنحو 3 آلاف نسخة فقط سنويا، وهو رقم لا يعبر إطلاقا عن المبيعات الحقيقية.
ويرجح متابعون لشؤون النشر أن لا يخرج التعاقد القادم عن ما لدى دار نشر عملت بالفعل على نشر مؤلفات صاحب "اللص والكلاب".ومن بين المرشحين يأتي اسم الدار المصرية اللبنانية للنشر، إذ أعلنت الدار عام 2019 إصدار مقالات محفوظ، التي تعود لعام 1930 وحتى وفاته، في 3 كتب تحت عنوان "حوليات نجيب محفوظ".
وكتب محفوظ أكثر من ألف مقال، وسبقت كتابته للمقال إبداعاته الروائية، وتنوعت بين الفلسفة، وهي مجال دراسته الأكاديمية، والدين والثقافة.
ومن بين الأسماء المرشحة للتعاقد تأتي دار الساقي اللبنانية، التي نشرت مؤخرا مجموعة قصصة غير معروفة لأديب نوبل تسمى "همس النجوم"، لا يشملها عقد الأسرة مع الناشر الحالي.
كما تردد اسم دار نشر "مكتبة ديوان" ضمن المفاوضات الدائرة لوراثة دار الشروق في نشر أعمال محفوظ.وخلت قوائم المتقدمين للمنافسة على نشر إبداعات الأديب العالمي بمختلف أنواعها من أسماء مؤسسات نشر حكومية.
وتبحث الأسرة -بحسب مصادر مقربة منها- عن ناشر للتطبيق الصوتي لأعمال بصوت الأديب الراحل.
وبدأت رحلة الأديب الراحل مع النشر عام 1939 بنشر مقالات في دوريات أدبية وصحف.
ونشر محفوظ روايته الأولى "عبث الأقدار" عام 1943 بعد معاناة مع دور النشر، وقرر حينها الكاتب عبد الحميد جودة السحار تجميع المؤلفين المغمورين آنذاك، وشكّل لجنة النشر للجامعيين بالمكتبة، تنشر دوريا كتابا لكل مؤلف مشترك باللجنة مقابل اشتراك شهري قدره جنيهان، وهو رقم كبير بمقاييس ذلك الوقت.ونشرت الدار الوليدة رواية "رادوبيس" لنجيب محفوظ، ليلفت الأنظار إليه بشدة.
وتنبأ المفكر والناقد الراحل سيد قطب -مؤلف "في ظلال القرآن"- لنجيب محفوظ بمستقبل واعد، وهي النبوءة التي تحققت بعد ذلك بنحو نصف قرن.
وأسس السحار مكتبة مصر لاحقا لتصير الناشر التاريخي لأعمال نجيب محفوظ، إلى أن غضب محفوظ من تصريحات مدير الدار ووريث السحار بما يفيد بانخفاض مبيعات نجيب، فطلب وقف طباعة أعماله.
وعام 2000 تواصلت دار الشروق مع نجيب محفوظ بعرض مليون جنيه مقابل حق نشر أعماله لمدة 20 سنة (الدولار وقتها كان بنحو 5 جنيهات).وبين المرحلتين عانى محفوظ من التضييق في نشر بعض أعماله عقب نشر روايته "أولاد حارتنا" في جريدة الأهرام في 1959، فتصدت دار الآداب اللبنانية لنشرها عام 1967.
وتقوم الجامعة الأميركية في القاهرة بترجمة أعمال نجيب محفوظ، كما تعلن عن جائزة سنوية باسمه.