فى مسرحيته الشعرية الرائعة «الحسين ثائراً» يقول الكاتب الراحل عبدالرحمن الشرقاوى على لسان الإمام الحسين رضى الله عنه:
أتعرف ما معنى الكلمة…؟
مفتاح الجنة فى كلمة
دخول النار على كلمة
وقضاء الله هو الكلمة
الكلمة لو تعرف حرمة
زاد مذخور
الكلمة نور
وبعض الكلمات قبور
بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشرى
الكلمة فرقان بين نبى وبغى
بالكلمة تنكشف الغمة
الكلمة نور
ودليل تتبعه الأمة
عيسى ما كان سوى كلمة
أَضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين
فساروا يهدون العالم!
الكلمة زلزلت الظالم
الكلمة حصن الحرية
إن الكلمة مسئولية
إن الرجل هو الكلمة
شرف الرجل هو الكلمة
شرف الله هو الكلمة
قصيدة رائعة كتبها «الشرقاوى» قبل أكثر من 50 عاماً، تبدو الآن كأيقونة للتعريف بأهمية وقيمة «الكلمة».
الكلمة أمانة ومسئولية كبيرة تقع على الكاتب، باعتباره أحد أهم مصادر تشكيل الوعى فى المجتمع، ومن يتصدى للكتابة لا بد أن يدرك قيمة ما يكتب، ولا بد أن يعرف فى الوقت ذاته أن الكتابة ليست وسيلة للتسلية أو التحريض أو مجرد استعراض لغوى، ولكنها مسئولية قيمية وأخلاقية، بل هى التزام على الكاتب أمام القارئ.
الكلمة الآن سلاح أمضى من الأسلحة التقليدية التى عرفناها على مدى التاريخ حتى الآن، وبالكلمة سقطت أوطان وانهارت، وبها أيضاً نهضت كثير من الأمم. الكلمة هى التى تشكل الوعى الجمعى، والوعى الجمعى للمصريين -ومنذ سنوات- فى إطار حروب الجيلين الرابع والخامس صار مستهدفاً من القوى الاستعمارية فى شكلها الجديد، وبسلاح الكلمة الفتّاك من خلال الوسائل الإعلامية الجبارة عابرة الحدود، أو وسائل التواصل الاجتماعى، تجرى على مدار الساعة محاولات تزييف وعى المصريين. الكلمة هى رأس الحربة لنشر الفوضى الخلاقة، وهى أيضاً سلاحنا الأهم فى المقاومة، بشرط ألا تكون ناقصة أو مضللة، وألا تتحول إلى وسيلة استقطاب اجتماعى لمعارك صغيرة على هامش التحديات الوطنية الكبيرة، وألا يتم توظيفها على نحو خاطئ فى إطار صراع سياسى، الكاتب الذى يضلل قارئه بالكلمة هو أشبه بالطبيب الجاهل الذى يسكن آلام مريضه بعقاقير مخدرة دون أن يعالج المرض. هناك فرق بين الكتابة لرفع الوعى والكتابة بغرض التحريض، الكتابة منهج يتم بواسطتها تسليح الناس بالحجة التى تشكل الموقف الوطنى اللازم، أما التحريض فهو وسيلة تعبوية لها أدواتها كالشائعة والتلفيق والخبر الكاذب.
أقاوم اليأس وأنا أقرأ لكُتاب ينقصهم الوعى ولا يهتدون بالقراءة أولاً فيما يتناولونه من موضوعات، من بين كل ما نقرأه اليوم سنجد القليل والقليل جداً مما يمكن أن يعد «كتابة» بالمعنى الذى يشكل خارطة المعرفة العامة التى تقدم الدليل على نضج المجتمع أو درجة استعداده لذلك، وفى المقابل نجد الكثير من الكتابات التى تدخل فى باب التحريض والتحريض المضاد، وهو ما يشوه وعى المجتمع ولا يهتم الكاتب بالانفجارات المحتملة التى ستترتب على ذلك.
ما أخطر الكلمة إذا تحولت لسلاح فاسد على يد مغرض.. أو جاهل
- عماد فؤاد -