لماذا تحمل أمهات الرئيسيات الرضع الموتى لأسابيع وشهور؟
من الضروري تطوير فهمنا لسلوكيات الرئيسيات تجاه الموت، ليس فقط من خلال الروابط، ولكن من خلال المشاعر المرتبطة بها كالحزن، وهو ما يماثل حالة الحزن عند البشر
تستمر أمهات الرئيسيات في العناية بجثث أطفالها الصغار عند موتهم (أليشيا كارتر-لايف ساينس)
على مدار قرن من الزمن أبلغت تقارير عديدة عن أن أمهات الرئيسيات تستمر في العناية بجثث أطفالها الصغار عند موتهم وتستمر في حملهم لأيام أو أسابيع أو شهور حتى عندما تتحلل جثث الأطفال أو تصبح محنطة.
وتعتبر الرئيسيات أو الثدييات الراقية إحدى رتب التصنيف العلمي في عالم الحيوان، وتشمل الليموريات وقردة العالم القديم والجديد، وتعيش معظم الرئيسيات من عالم الحيوان في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية في الأميركتين وأفريقيا وآسيا.
غريزة الأمومة قوية عند الرئيسيات في حالات حياة أو موت الصغار (شترستوك)
غريزة الأمومة عند الرئيسيات
وفي هذا الشأن، أجريت دراسة قام بها باحثون من قسم الأنثروبولوجيا في كلية لندن الجامعية (University College London) في المملكة المتحدة ومن معهد أبحاث الرئيسيات في جامعة كيوتو وحديقة حيوان تاكاساكياما الطبيعية في اليابان.
في دراستهم قارن الباحثون أكثر من 400 حالة موثقة تتفاعل فيها أمهات رئيسيات مع جثث أطفالها الرضع بعد وفاتهم، وجمعوا أمثلة تم توثيقها على مدار قرن من الزمن، والتي تشمل 50 نوعا من الرئيسيات، كما أنشؤوا "أكبر قاعدة بيانات لاستجابات أمهات الرئيسيات لوفاة أطفالها".نشرت نتائج الدراسة في دورية "بروسيدنجس أوف ذا رويال سوسيتي بي: بيولوجيكال ساينسز" (Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences) بتاريخ 15 سبتمبر/أيلول الجاري، ووثق الباحثون فيها ملاحظاتهم عن جثث الرضع التي حملتها أمهات الرئيسيات منذ أوائل القرن الـ20.
وفي تقرير نشر على موقع "لايف ساينس" (Live Science) ذكرت إليسا فرنانديز- فويو باحثة الرئيسيات المشاركة في الدراسة وطالبة دراسات عليا بقسم الأنثروبولوجيا في كلية لندن الجامعية في المملكة المتحدة أن أحد السجلات التي وثقت هذه الحالة يعود إلى عام 1915.
وقد استعرض التقرير الدراسة القديمة التي نشرت في دورية "جورنال أوف أنيمال بيهيفيور" (Journal of Animal Behaviour) حالة أم من قردة المكاك ريسوسي (Rhesus Macaque) حملت رضيعها الميت لمدة 5 أسابيع، وعزا التقرير هذا السلوك إلى غريزة الأمومة.
استمرت أمهات الشمبانزي في حمل الجثث لشهور بعد الموت (كلوديا سوسا-لايف ساينس)
الاحتفاظ بالجثث لأطول فترة
حلل المؤلفون التقارير في الفترة ما بين 1915 إلى 2020 عن القردة والليمور التي كانت ترعى صغارها المتوفين، ووجدوا أن ما يقارب 80% من الأنواع التي قاموا بمراجعتها كانت تحمل جثث أطفالها الموتى، وحققت رتبة القردة العليا وقردة العالم القديم الفترة الأطول في حمل جثث أطفالها بعد الموت.وفي تقرير سابق نشر على موقع "لايف ساينس" عام 2010 أشارت دورا بيرو من جامعة أكسفورد (University of Oxford) في إنجلترا إلى إظهار أمهات الشمبانزي استجابة رائعة لوفاة نسلها حيث "استمرت تلك الأمهات في حمل الجثث لأسابيع بل لشهور بعد الموت"، وكانت الجثث لرضيعين توفيا بسبب أمراض في الجهاز التنفسي وهما ذكر يبلغ من العمر 1.2 عام، وأنثى تبلغ من العمر 2.6 عام.
وفي عام 2017 حملت أنثى المكاك (وهو جنس قرد العالم القديم) رضيعها الميت لمدة 4 أسابيع في متنزه للحياة البرية الإيطالية، وفي النهاية أكلت الجثة المحنطة، وفي مارس/آذار 2020 وصف الباحثون 12 حالة حملت فيها أمهات القردة أطفالها الموتى لمدة تصل إلى 10 أيام في البرية.
المشاعر عند الرئيسيات تتحكم بالرابطة بين الأم والرضيع (غيتي إيميجز)
القلق من الانفصال
قالت فرنانديز- فويو "من المعروف أن المشاعر عند الرئيسيات تتحكم بالرابطة بين الأم والرضيع، فعلى سبيل المثال يتسبب انفصال الأم عن الرضع الأحياء بقلق بالغ لدى الأم"، وهكذا يمكن أن يكون القلق من الانفصال حافزا لحمل جثث الرضع في الرئيسيات، ويمكن أن يفسر أيضا سبب حمل جثث الأطفال الصغار جدا لفترة أطول من الأطفال الأكبر سنا.
ولاحظ الباحثون أن بعض أمهات الرئيسيات التي حملت أطفالها المتوفين أطلقت إنذارا -كدليل على الإجهاد- عند فقدان الجثة أو في حالة أخذهم منها، وهو سلوك برره الباحثون بأنه قد يكون وسيلة للتغلب على الإجهاد المرتبط بخسارة الرابط ما بين الطفل الرضيع والأم، كما أوضح الفريق أن سلوك الأم يرتبط بعوامل عديدة أيضا، منها عمر الأم، وعمر الرضيع، وموت الطفل فجأة.واختتم الباحثون دراستهم بضرورة الاستمرار بالعمل لتطوير فهمنا لسلوكيات الرئيسيات تجاه الموت، ليس فقط من خلال الروابط، ولكن من خلال المشاعر المرتبطة بها كالحزن، وهو ما يماثل حالة الحزن عند البشر.