علماء يطورون كونا افتراضيا يحاكي الكون الحقيقي منذ نشأته
تساعد البيانات العلمية الضخمة التي ستنتجها "أوشو"، علماء الفلك على تفسير البيانات الضخمة الناتجة عن رصد المجرات في السنوات القادمة.
عناقيد المجرات كما تبدو في محاكاة "أوشو" (موقع الباحث الرئيسي للدراسة توموآكي إيشياما)
إذا كنت ترغب في استكشاف الكون بأكمله من خلال حاسوبك، فهذه هي فرصتك الآن. فقد أنشأ فريق دولي من الباحثين كونا افتراضيا بالكامل، وجعله متاحا مجانا للجميع.
ووصف الباحثون هذه المحاكاة التي أطلقوا عليها اسم "أوشو" (Uchuu) بكونها الأكثر شمولا وتفصيلا للكون على الإطلاق، إذ تحتوي على 2.1 تريليون "جسيم" في الفضاء ويبلغ عرضها 9.6 مليارات سنة ضوئية، وفقا لموقع "ساينس ألرت" (ScienceAlert). وتمثل هذه المسافة حوالي 3 أرباع تلك التي تفصلنا عن أبعد المجرات المرصودة اليوم.
والمنتظر أن تتيح محاكاة "أوشو" -التي تعني باللغة اليابانية "الفضاء الخارجي"- للباحثين دراسة تطور الكون على مستوى من الحجم والتفاصيل لا يمكن تصورها حتى الآن.
هالة المادة المظلمة لأكبر مجموعة مجرات تشكلت في محاكاة "أوشو" (مركز الفيزياء الفلكية الحاسوبية الياباني)
آلة السفر عبر الزمان والمكان
ووفقا لمركز الفيزياء الفلكية الحاسوبية (Center for Computational Astrophysics) الياباني، فإن محاكاة "أوشو" تركز على تركيبة الهياكل الضخمة للكون التي تشكل الهالات الغامضة من المادة المظلمة أحد أهم أعمدتها. ولا تتحكم هذه الهالات في تكوين المجرات فحسب، بل تتحكم أيضا في مصير الكون بأكمله.وتتراوح أحجام هذه الهياكل العملاقة من أكبر مجموعات المجرات وصولا إلى أصغر المجرات، لذلك لا تتوقع العثور على نجوم وكواكب منفردة في هذا الكون الافتراضي.
في المقابل، تتمتع هذه المحاكاة بميزة فريدة مقارنة بالعوالم الافتراضية الأخرى التي طورها الباحثون سابقا، تتمثل في قدرتها على محاكاة تطور المادة على مدى تاريخ الكون البالغ 13.8 مليار سنة تقريبا منذ حصول الانفجار العظيم حتى الوقت الحاضر.
وبحسب الباحثين، فإن "أوشو" ستكون مثل آلة الزمن وتمكن من السفر الافتراضي في أرجاء الكون وفي أزمنة مختلفة منذ نشأته، مع إمكانية التوقف في كل لحظة من تاريخه وإلقاء نظرة عامة عليه أو التركيز على جزء صغير منه، مما سيجعلها أداة مهمة لدراسة الكون.
كون" أوشو" العملاق بين يديك
وقد قام فريق دولي من الباحثين من اليابان وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية والأرجنتين وأستراليا وتشيلي وفرنسا وإيطاليا، بإنشاء "أوشو" باستخدام "أتروي 2" (ATERUI II)، أقوى حاسوب عملاق في العالم مخصص لعلم الفلك.ورغم القدرة العالية لهذا الحاسوب على معالجة المعطيات، فقد استغرق إنتاج "أوشو" عاما كاملا باستخدام أكثر من 40 ألف نواة معالجة مركزية. وتم في النهاية إنشاء 3 بيتابايت من البيانات، أي ما يعادل تقريبا 900 ألف صورة من هاتف خلوي بدقة 12 ميغابكسل.
لكن لا داعي للقلق بالنسبة لإمكانية تنزيل المحاكاة على حاسوبك الشخصي أو الإبحار في هذا الكون الافتراضي عبر الشبكة العنكبوتية، فقد استخدم فريق البحث تقنيات حسابية عالية الأداء لضغط المعلومات حول تشكل هالات المادة المظلمة في الكون وتطورها في "كتالوغ" بحجم 100 تيرابايت فقط.
كما تتوفر الآن نسخة من هذه المحاكاة المتاحة للعموم في الفضاء السحابي على موقع سكايز آند يونيفيرسز (Skies and Universes). ومن المنتظر أن تشمل الإصدارات المستقبلية -وفقا للباحثين- "كتالوغات" للمجرات الافتراضية وخرائط عدسات الجاذبية.ويتوقع الباحثون الذين نشروا نتائج عملية المحاكاة في عدد شهر سبتمبر/أيلول من دورية "مانثلي نوتيسز أوف رويال أسترونوميكال سوسايتي" (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society)، أن تساعد البيانات العلمية الضخمة التي ستنتجها "أوشو"، علماء الفلك على تفسير البيانات الضخمة الناتجة عن رصد المجرات في السنوات القادمة من منشآت مثل تلسكوب "سوبارو" (Subaru) ومهمة الفضاء "أوكليد" (Euclid) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية.