لا يزال يحافظ على تراثه.. مقهى في كربلاء يمنع الأرجيلة ولعب الدومينو ولا يوفر الإنترنت
جانب من رواد مقهى سيد مجيد في كربلاء
كربلاء – مقهى السيد مجيد وسط مدينة كربلاء جنوب بغداد، يقع في منطقة البارودي التي تعجّ بالمقاهي والمطاعم الشعبية والفنادق، ولكن ما يميزه ليس قدمه أو الشاي الذي يقدمه فقط، بل إصرار مالكيه على منع لعب الدومينو والنرد وحظر الأرجيلة، كما لا يوفر الإنترنت.
ويمتاز المقهى بكونه قديم أنشئ قبل أكثر من 70 عاما ولا يزال يحافظ حتى الآن على شكل أرائكه الخشبية القديمة ولم يتحوّل إلى مقهى على الطراز الحديث، وقد حصل على شهادة أفضل مقهى تراثي في العراق. ويحرص كبار السن والمثقفون على ارتياده، كما يمتاز برخص أسعار ما يقدمه.
الإمارة اعتبر أن مقهى السيد مجيد أحد أهم المقاهي التراثية في كربلاء
البداية
في خمسينيات القرن الـ20 الماضي ارتأى السيد مجيد عطا أن يكون له مقهى يكسب منه قوته ويكون مكانا للقاءات، فاختار منطقة العباسية -التي كانت عبارة عن منطقة بساتين ولا تبعد عن مرقد الإمام الحسين بن علي وأخيه العباس إلّا بضع مئات من الأمتار- مكانا للمقهى.
يقول الباحث حسين أحمد الإمارة إن مقهى السيد مجيد يعتبر أحد أهم المقاهي في المدينة وأحد 6 مقاهي كانت في منطقة العباسية الغربية (الاسم السابق لحي البارودي)، وهي "قهوة مجيد، وقهوة عبد زيد، وقهوة محمد علي كوكا، وقهوة أبو حسون، وقهوة علي الداؤود، وقهوة حجي غايب".
وقسّم الباحث المقاهي إلى مقاهي للأيدي العاملة، وتعتبر مقرات لهم، يتجمعّون فيها من أجل الاتفاق عن التفاصيل المتعلّقة بالعمل، ومقاهي الشباب، وهم في الغالب يحولون المقاهي إلى مقرات للفرق الشعبية الرياضية، ومقاهي فئة كبار السن وأغلبهم ممن يتعاطون الأرجيلة وهم أصدقاء ومعارف من أهل الديرة، وتكون علاقتهم حميمية وتدور نقاشاتهم حول أيامهم التي خلت.
ويمضي بقوله في تقسيم المقاهي، فيقول هناك مقاهي الأسواق، وهي في الغالب تكون صغيرة الحجم لا تتّسع للجلوس فيها إلّا لبضعة أشخاص وتتكفّل بإيصال الشاي إلى أصحاب المحال وضيوفهم.
ويضيف الإمارة لهذه المقاهي ما أطلق عليه "مقاهي النخبة"، وهي أماكن لتجمّع المثقفين من الكتاب والشعراء والأدباء والفنانين وموظّفي الدولة، ونقاشاتهم تتركز في الغالب في هذا الفلك وتشاهد المجلات والجرائد منتشرة فيها.
وأخيرا يذكر أن هناك مقاهي قد لا توجد في المدن الأخرى وهي مقاهي الوجهاء التي يجتمع فيها وجهاء المدينة وساستها وأصحاب المال والأعمال، وغالبا ما يدور الحديث فيها عن حال البلاد السياسية والاقتصادية وإبداء الآراء والمقترحات والأفكار اللازمة لمعالجتها.
وعن مقهى مجيد يقول الإمارة إنه يعد من أقدم المقاهي في كربلاء، وكان صاحبه ذا شعبية كبيرة ورائحة شايه تحيط بمنطقة البارودي كلها. وعده من المقاهي التراثية التي حافظ عليها الأبناء لتكون واجهة تراثية تحافظ على رونق وسمعة وشاي المقهى.
أحمد مجيد: المقهى تراثي ويتم الحفاظ على بنائه وأدواته القديمة إلى جانب أسلوبه الأصيل
منع الإنترنت والألعاب
مقهى مجيد حصل على جوائز عديدة من خلال مشاركته في مهرجانات تقيمها رابطة المقاهي التراثية، ومنها جائزة تقديرية من مهرجان مسابقة المقاهي التراثية الذي أقيم في مدينة كفري بالسليمانية في إقليم كردستان العراق، والجائزة الأولى كأفضل مقهى في محافظة كربلاء في مهرجان التراث العراقي.
يقول أحمد مجيد -ابن صاحب مؤسس المقهى والذي استلم إدارته بعد رحيل والده عام 2007- إن المقهى كان عبارة عن جرداغ (المكان المصنوع من القصب) ويتكون من مقهى بسيط يقدّم الشاي على الفحم، وفيه حديقة خلفية تكون لاستراحة الروّاد، ولكنها تحوّلت بعد ذلك إلى مقهى بأرائك من الخيزران ثم الخشب والتي لا تزال على حالها ولم تتغيّر.
ويؤكد أحمد أن المقهى يعد من المقاهي التراثية، حيث تم الحفاظ على بنائه وأدواته القديمة إلى جانب أسلوبه الأصيل في طريقة عمل الشاي الذي تختلف عن أي شاي يقدّم في أماكن أخرى.
ويعود مجيد بذاكرته إلى الوراء ويقول إن المقهى كان يشهد الكثير من النقاشات السياسية التي تدور بين السياسيين والمثقفين والأدباء.
وعمّا يميز المقهى في الزمن الراهن، يقول إنه تم منع لعبة الدومينو والطاولة وأيّة لعبة أخرى، مثلما يمنع تقديم الأرجيلة، إلى جانب عدم توفير خدمة الإنترنت، معتبرا أن الهدف من ذلك "ألا تكون الجلسة للمجتمعين في المقهى ميّتة".
وتابع أن النقاشات في المقهى بين الرواد تشمل المواضيع التي تهم المجتمع، مؤكدا على أنه يمنع التنابز والطائفية والتفرقة وما يخلّ بالعادات.
ولام أحمد مجيد الجهات الحكومية لعدم اهتمامها بالمقاهي التراثية على عكس ما يحدث في دول أخرى لا سيما دول الجوار، معتبرا أن من واجب الدولة الحفاظ على التراث.
وأشار في ختام حديثه إلى احتفاظ المقهى بصور تعود إلى فترات تاريخية تراثية مختلفة، وصور للعملات والرياضيين وبعض الشخصيات الكربلائية.
الشرع: الجلوس في مقهى السيد مجيد يشعرك أنك في مكان تراثي يعيدك إلى الأشياء التي افتقدناها
نقاشات متنوعة وأسعار رخيصة
وعن الرواد يقول الشاعر مالك الشرع -وهو أحد رواد المقهى ويعد نفسه من القليلين من جيل الشباب الذين يرتادون هذا المقهى- "حين نجلس نشعر أننا في مكان تراثي يعيدنا إلى الأشياء التي افتقدناها، وأهمها العلاقات الحميمية وكذلك الأمان والصدق".
ويرى أن هذا المكان تجمع لكل فئات الشعب ولا يقتصر على طبقة بعينها، مضيفا أن المقهى مكان اجتماعي وثقافي.
وعن اللافت في المقهى، يقول الشرع، أبرز ما يلفت هو النقاشات الحادة والتي تتناول أحوال العراق والعالم من ماضيه إلى حاضره، مشيرا إلى أن كل مجموعة معينة من الرواد تجلس على أرائك متقابلة أو جانبية تخوض في موضوع ما، فتسمع نقاشا عن الوضع في أفغانستان، وهروب الأسرى الفلسطينيين من أحد سجون الاحتلال، أو الحرب العراقية الإيرانية، أو حتى الحياة في العهد الملكي، فضلا عن نقاش ارتفاع أسعار الطحين والانتخابات، بل حتى الجرائم التي تحصل في المجتمع يجري تحليلها.