أربعينية الكرامة
المهندس أمير الصالح 17 / 9 / 2021م - 7:33 م
في مسقط رأسي، اُشتهر عن النخلة وصف جميل مفاده: «النخلة يمكنك اقتلاعها من جذورها واعادة غرسها حيثما شئت وستدب الحياة فيها من جديد في المكان الجديد وتنبت وتاكل من ثمارها الطيبة باذن الله العلي العزيز، الا أن النخلة تموت وهي واقفة عند قطع رأسها ". يا سبحان الله، هذه الأوصاف الرائعة هي أوصاف تطابق بعض أوصاف أهل الكرامة والفضل من بني آدم النجباء.
النخلة، والرأس، العطاء، والكرامة، كلمات يمكن اعادة صياغة نسيجها ورسم امور أنسانية نبيلة ذات علاقة من تلكم المفردات.
في مقتبل عمري المعرفي اتيحت لي الفرصة بحمد الله وتوفيقه لزيارة ضريح جسد الأمام السبط النبوي الحسين بن علي في كربلاء ومدفن رأسه الشريف في القاهرة. وكذلك التوفيق الالهي وقع في زيارة ضريح السيدة زينب ، حفيدة رسول الله، في اطراف ضواحي دمشق وقلب القاهرة. طرحت تلكم الزيارات عدة اسئلة داخل نفسي فيما يتعلق بشأن المدفن الواقعي لرأس سيدنا الامام الحسين وكذلك السيدة العقيلة زينب. وبعد طول تأمل في عدة أقوال وكتب وأطروحات، وصلت لنتيجه مفادها لاضير في وجود أكثر من مدفن في أكثر من بقعة لرأس الأمام الحسين بالخصوص لفداحة الظلم الذي وقع حينذاك وانتشار الخوف بين الناس من تتبع وتوثيق اخبار ما بعد احداث فاجعة كربلاء يومذاك. وكما لا ضير لوجود شاهد رمزي لقبر الجندي المجهول في معظم الدول حول العالم، كذلك الحال بانه لا ضير في وجود اكثر من مدفن رمزي لجندي الاسلام الخالد الامام الحسين. ففي تلكم الرمزية لتلكم المدافن ايقاد مستمر لجذوة الكرامة والتضحية والتمسك بالمبادئ والحقوق والسعي الدؤوب في الذب عن حياض الكرامة.
مع تقادم سنين عمري وزيادة تحليل المشهد لعدة قضايا بقصد استنطاق الفائدة العملية وتوظيفها، وجدت ان هناك امر ما وهو امر يحزن ان بقع كثيرة من الارض لا سيما في منطقة الشرق الاوسط حيث منبع الديانات السماوية الابراهيمية، اُستغلت بعض تلكم البقع والمدافن للترويج السياحي والتنشيط الاقتصادي والتجاري وجوفت بعضها من روح القيم والرحمة ومشاهد ايواء الضعفاء وتكميد جراح المشردين وصون كرامة الانسان. فانتُزعت من بعض تلكم البقع روحانية غرس الممارسات النبيلة في مجال الكرامة والاحترام والرحمة وبُغض الظلم ومحاربة الذل وعدم الاستكانة لاهل الفجور واُستبدلت مكانها حملات الترويج التجاري للسلع والخدمات ومداهنة اهل المال ومجاراة اهل الردح والمرح. ومع زيادة منسوب الزعم والادعاء بوجود مدافن تاريخية لقبور الصالحين شمر بعض الباحثين عن سواعدهم في التنقيب عن صحة بعض تلكم الادعاءات لقطع الطريق على تجار العواطف وسماسرة العقار المجاور لتلكم المشاهد. وفعليا وان لم ينجح الباحثون نجاح باهر الا انه لهم اجر المحاولة الجادة في استقصاء الامور وتوضيح بعض مقاطع المشهد.
فيما يخص موضوع رأس الامام الحسين، أعتبر ان نهضة الامام الحسين العملاقة أشبه بقضية واضحة الشواهد والمعالم الا انه أمتدت اليها بعض أيادي من منتحلي العلم والواقع انهم فاشلون فافسدوا لونها واذهبوا طعمها وحرفوا مقاصدها وتاجروا ببعض اجزاءها. فنسأل الله حسن الاطلاع وتجاوز الانزلاق ومراجعة الاداء وتصحيح الاخطاء. ومن جهة اخرى ولو دققنا قليلا في المواقع الجغرافية المشهورة لمدفن رأس ابو الاحرار سواء النجف أو كربلاء بالعراق أو دمشق بسوريا أو عسقلان فلسطين أو القاهرة بمصر لوجدنا انها تشكل حزام وسياج مُلهم لابناء تلكم المناطق الجغرافية في مقارعة المستعمرين والمحتلين أن هم استثمروا الوجود الرمزي لذلك المدفن الشريف.
في الختام، ونحن على اعتاب أربعينية استشهاد الامام الحسين فانا ادعو طامحا في أستنطاق هذه المناسبة العزيزة في رص الصفوف ووحدة الكلمة وعدم تكرار اخطاء الماضي ورفع مستوى التفكير النقدي الموضوعي وتلمس احتياج المعدمين والسعي لشد عزيمة المهمشين في العالم كله وحسن توجيه المناسبات الدينية لتكون دينمو حقيقي في صنع واقع افضل. ولكي يستمر اي عمل انساني كبير نابع من نهضة عملاقة فلا بد من تجديد الادوات المستخدمة تكتيكيا وبشكل جيد ولا بد من حسن الاسثمار الاستراتيجي لتلكم التكتيكات لكي يأتي مشروع تلكم النهضة اُكله كل حين ويسعد الجميع بالكرامة وتكسير اصنام الاذلال. وعكس ذلك الامر يعني انها جهود في عداد ادراج الرياح او تيه في ارض سيناء أو اندثار في صحراء قاحلة او مفاخرة عوراء حيث روح هذه او تلك النهضة فُرغت من محتواها فتُصبح مع تقادم الايام شبه كرنفال موسمي مكرر وباهت يحصد ثماره اهل المال والاعمال وتجار العواطف ويبقى واقع اغلب الناس من مؤلم الى اكثر الما.