العلماء يحلون لغز الأعمدة الجليدية التي تنبئ بالعواصف الخارقة القاتلة
يمكن أن تساعد نتائج هذه الدراسة المتنبئين في التعرف على الأخطار الوشيكة، وإصدار تحذيرات أكثر دقة دون الاعتماد على أنظمة رادار دوبلر.
سوبرسل ذات حركة صاعدة دوارة بسرعات تزيد على 241 كلم/ساعة (بيكسابي)
كشفت دراسة جديدة بقيادة علماء من جامعة ستانفورد (Stanford University) عن الآلية الفيزيائية للأعمدة الجليدية التي قد تنبئ بالعواصف الخارقة القاتلة، وتتشكل فوق معظم الأعاصير الأكثر ضررا في العالم.
يقول الباحثون إن النتائج التي توصلوا إليها في الدراسة -التي نُشرت في 10 سبتمبر/أيلول الجاري في مجلة "ساينس" (Science) العلمية الشهيرة- يمكن أن تعطي تحذيرات مسبقة حول خطر الأعاصير والرياح العاتية وعواصف البرد، لا سيما الأماكن التي لا يعمل فيها نظام رادار دوبلر، أو لا يتوفر من الأساس.
يأتي البحث بعد أكثر من أسبوع من إعصار "آيدا" الذي خلف الموت والدمار بسبب هطول الأمطار والفيضانات المفاجئة في جميع أنحاء شمال شرق الولايات المتحدة، ويمكن لفهم أفضل لهذه العواصف أن ينقذ الأرواح والممتلكات.
السحابة الخارقة
تعد السحابة الخارقة أو سحابة سوبرسِل (Supercell) من إحدى الظواهر الطبيعية الغربية والتي تحتاج إلى ظروف جوية معينة واستثنائية. وهي تتكون عند تقابل منخفض جوي بارد مع تيار هوائي رطب ودافئ قادم من المناطق الاستوائية، وبسبب التفاوت في درجة حرارة الهواء تتكاثف قطرات الماء وتتجمد مما يكسب سحب سوبرسِل لونها الغامق.وتعد السحابة الخارقة سلالة نادرة من العواصف ذات حركة صاعدة دوارة يمكنها الاندفاع نحو السماء بسرعات تزيد على 241 كيلومترا في الساعة، مع قوة كافية لاختراق الغطاء المعتاد في طبقة التروبوسفير للأرض، وهي الطبقة الأدنى من جونا.
وبسبب دوران الهواء والانخفاض في الضغط يتكون إعصار قمعي تصل فيه سرعة الرياح إلى 500 كيلومتر في الساعة، مما يؤدي إلى اقتلاع الأشجار وأسطح المنازل وحتى السيارات وكل ما يقع في بؤرة تلك العاصفة.
محاكاة حاسوبية
باستخدام المحاكاة الحاسوبية للعواصف الرعدية المثالية، أجرت عالمة الغلاف الجوي مورغان أونيل الأستاذ المساعد في كلية الأرض والطاقة والعلوم البيئية بجامعة ستانفورد (ستانفورد إيرث) وزملاؤها محاكاة مفصلة للعواصف الرعدية من نوع سوبرسِل، وهو نوع العواصف الأكثر احتمالا لتفريخ الأعاصير.
في هذه العواصف الرعدية الشرسة، تدفع المسودات الصاعدة الدوارة فائقة القوة الهواء الرطب أعلى مما كانت تذهب إليه عادة في الغلاف الجوي للأرض، من خلال الجزء العلوي من الغلاف السفلي إلى طبقة الستراتوسفير.هذا الاضطراب المحموم ينتج قفزات هيدروليكية، وتلك القفزات قادرة على حقن كميات كبيرة من بخار الماء في الستراتوسفير بسرعة كبيرة. ويتم إنشاء هذه القفزات أيضا من الرياح المندفعة إلى أسفل الجبال والصخور.
تصل سرعة الرياح في الإعصار إلى 500 كيلومتر في الساعة (بيكسابي)
اكتشفت أونيل وزملاؤها أن هذا يثير عاصفة رياح منحدرة في التروبوبوز، حيث تتجاوز سرعة الرياح 240 ميلا (386 كلم) في الساعة. والتروبوبوز منطقة في الغلاف الجوي تشكل الحد الفاصل بين طبقة التروبوسفير والستراتوسفير. وقالت أونيل في بيان صحفي للجامعة "هذه السرعات على قمة العاصفة لم تتم ملاحظتها أو افتراضها من قبل".
ومع تجهيز طائرات أبحاث ناسا الآن بأجهزة تسمح لها برسم خريطة للرياح في قمة العواصف الرعدية بدقة عالية ثلاثية الأبعاد، فإن الخطوة التالية ستكون جمع بيانات في العالم الحقيقي للمساعدة في تأكيد ما أظهرته هذه النماذج.
لسد الفجوة
غالبا ما يحدث شيء غريب قبل العاصفة الرعدية الشديدة التي تنتج الإعصار والرياح العاتية أو البَرَد، وهو تكون عمود من الجليد والماء معروف باسم "أعمدة سيروس فوق السندان" (Above-Anvil Cirrus Plume) والذي يتصاعد فوق الجزء العلوي من السحب العاصفة والرياح الهابطة، بوصفها نوعا من نظام الإنذار المبكر للأحداث الجوية المتطرفة.وعندما يتصاعد عمود غائم من الجليد وبخار الماء فوق قمة عاصفة رعدية شديدة، فهناك فرصة كبيرة لقيام إعصار عنيف أو رياح شديدة أو حبات برد أكبر من كرات الغولف في قذف الأرض.
وقد أظهرت الأبحاث السابقة أنه من السهل تحديد العمود في صور القمر الاصطناعي، غالبا 30 دقيقة أو أكثر قبل أن يصل الطقس القاسي إلى الأرض. السؤال: لماذا يرتبط هذا العمود بأسوأ الظروف، وكيف يوجد في المقام الأول؟ تقول أونيل "هذه هي الفجوة التي بدأنا في سدها".
ينبثق عمود من الجليد والماء معروف باسم "أعمدة سيروس فوق السندان" من أعلى العاصفة (ناسا)
ولأول مرة، يعتقد العلماء أنهم اكتشفوا ما الذي يسبب هذه الأعمدة الملبدة بالغيوم. ما يعرف بالقفزات الهيدروليكية، هي من ظواهر السوائل التي تظهر في أقنية الجريان الحر (جريان القنوات المكشوفة) عند التقاء جريان حرج (أمواجه أسرع من التيار) بآخر غير حرج.
وينتج حوالي 75% من العواصف الرعدية مع هذه الأعمدة أعاصير، ومن ثم فمن المرجح أن تكون البحوث مفيدة في تحسين نماذج الأرصاد الجوية في المستقبل.ويمكن أن تساعد نتائج هذه الدراسة المتنبئين في التعرف على الأخطار الوشيكة المماثلة، وإصدار تحذيرات أكثر دقة دون الاعتماد على أنظمة رادار دوبلر، والتي لها نقاط عمياء حتى بالأيام الجيدة، كما أنها مهمة وسيكون لها تأثير طويل الأمد في تفسير تغيرات المناخ.