فائدة لغوية «38»: ”مرور الكرام“
الدكتور أحمد فتح الله17 / 9 / 2021م - 1:12 م
نقول: ”مرَّوا مُرور الكرام“، عبارة نكررها كثيرًا، لكن ربما نجهل كيف يكون هذا المرور، وأصل هذه العبارة. فلنمر أولًا مرورًا سريعًا على معجم مفرداتها.
المُرُورالمرور مصدر من مَرَّ يَمُرُّ مَرًّا ومُرُورًا: مَرَّ زيدٌ من هذا الشارع: جاز وذهب. وَمَرَّ الدَّهْرُ: ذَهَبَ.
فالمرور هو المضي والاجتياز بالشيء، واجتياز دون توقف، لذلك المرور يقابله الْوُقُوف وهو السُّكُون، يُقَال: وَقَفَتِ الدَّابَّةُ تَقِفُ وَقْفًا وَوُقُوفًا: سَكَنَتْ.
الكرامالكرام: جمع كريم، مثل كُرَماء، والكَرَم: ضدّ اللؤم، كَرُمَ الرجلُ «شرف» يكرم كَرَمًا فهو كريم «شريف». الرجل كَرِيمٌ والمرأة كَرِيمَة، والنساء كَرِيمَات، وكَرَائِم.
والكريم: الصَّفَوح، فيقال هو رجُلٌ كَرِيمُ النَّفْسِ: أي صَفُوح، رَحِيم، مُتَسَامِح.
وتأتي كريم بمعنى سَخِيّ، جَوَّاد «في البذل والعطاء»
قَوْلٌ كَرِيم: قَوْلٌ مُرْضٍ وَجَمِيلٌ وَذُو مَعْنىً وَفَائِدَةٍ.
هُوَ كَرِيمُ الأَصْلِ وَالْمَنْبِتِ: أَصِيلٌ وَشَرِيفُ النَّسَبِ.
حَجَرٌ كَرِيمٌ: ثَمِينٌ.
ويَمْلِكُ جَوَادًا كَرِيمًا: جَوَادًا مِنْ أَصْلٍ أَصِيلٍ.
هُوَ اللَّهُ الكَرِيمُ: مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى، أَيْ ذُو الفَضْل.
وكريمة الرجل: ابْنَتِه.
فالكرام جمع كريم وهو الشريف، أو المنعم أو المحسن، والسياق هو الذي يحدد المعنى المراد. ولقد تعددت المعاني والصيغ في مادة «ك ر م» في القرآن الكريم، ولكن عرضت هنا ما يناسب الموضوع وهدف الفائدة اللغوية.
معنى مرور الكرام هو كناية عن التجاوز بسرعة، مر عليه ”مرور الكرام“ اجتازه سريعًا «دون توقف»، ثم توسع المعنى ليشمل السطحية في معالجة الأمور أو النظر فيها، فأصبح يستعمل في كل السياقات بهذا المعنى، ف ”مرَّ على الموضوع مرور الكرام“ أي نظر فيه سريعًا دون فحص وتأمل.
أصل المقولةلم أجد لقول مرور الكرام في الأمثال أو الأقوال العرب قبل الإسلام حتى لحظة كتابة الفائدة. ولكن وردت كلمة ”كرام“ في القرآن الكريم ثلاث مرات، مرتين في وصف الملائكة، كما في قوله تعالى: ﴿بأيدي سفرة كرامٍ بررة﴾ «عبس: 19» وفي قوله: ﴿وإن عليكم لحافظين كرامًا كاتبين﴾ «الانفطار: 11»، بمعنى شرفاء يكرمهم الله. والثالثة في قوله: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴿«الفرقان: 72»، وهي المرتبطة بموضوعنا.
إذَن ”مرور الكرام“ قد يبدو أن أصله قرآني، كما هو في الآية الشريفة التي تصف ”عباد الرحمن“. ف ”كرامًا“ أي شرفاء يترفعون عن اللغو في الكلام «فلا يستمعون إليه، وإن سمعوه عرضًا» وعن اللغو من الأعمال فلا يقبلون عليها بل يعرضون عنها، وإن صادفتهم. وحين يمر المؤمنون بأماكن فيها لغو أو كذب أو معصية، يكون مرورهم سريعا خفيفا وبلا توقف، لأنَّهم يضيقون بكل لغو من قول أو فعل فلا يتوقفون عنده.
فمرور الكرام هو مرور الناس بالأشياء والأمور على عجل ودون تدقيق ودون اهتمام، كمرور المؤمنين بما لا يعنيهم، حيث يكون سريعا دون توقف. فعليه، مرور الكرام كناية تبدو مقتبسة من وحي القران الكريم، والله أعلم.