إطلالة على النهج الرسالي للإمام المجتبى
السيد فاضل علوي ال درويش
لقد كان الإمام الحسن المجتبى شخصية فريدة في ميدان التبليغ الرسالي والعطاء الإنساني بكافة أصعدته وأبعاده، ومما يعزز صناعة الشخصية القوية والناجحة والفاعلة هو الاقتداء بسيرته العطرة وتمثل مواقفه الرائعة، فليس هناك من رافد لتكوين المدركات العقلية وتقويتها وتنميتها أعظم من القراءة الناضجة والمتمعنة في كلماته ومواقفه، والتي تبعث على حب خط الكمال الأخلاقي والارتباط الإيماني بالله عز وجل.
إن الإطلالة على شخصية الإمام الحسن المجتبى لا تقتصر على تفحص ودراسة مواقفه العظيمة وفكره النير المبثوث في كلماته وحكمه، بل هو تكوين تصور واضح للدور الوظيفي للإنسان في الحياة على مختلف الجوانب العقائدية والثقافية والاجتماعية والتربوية، فأولياء الله الصالحين في صفاتهم يمثلون الوجه المشرق من التاريخ البشري، ويقدمون الصورة الناصعة للإنسان الكامل ونزيه النفس والسامي على النقائص والعيوب، والبيت العلوي الفاطمي نافذة على عالم القيم والسير الشريفة التي ينبغي الاطلاع عليها لتكوين الشخصية الإنسانية الراقية، ولا يطيب الحديث ولا يتعطر اللسان إلا بمثل سيرة هؤلاء العظماء الذين نشروا وبثوا معالم الدين الحنيف تطبيقا على أرض الواقع، وهذه كلماتهم تمثل طريق الهدى والسداد لمن تمعن فيها وقرأها بروية.
والإمام الحسن المجتبى تحلى بكل صفات الفضيلة والكمال، وسيرته باختصار هي مكارم الأخلاق متجسدة في كل مواقفه، ولقد شهدت سيرته في كل أحواله بأنه المقتدى لكل طلاب المعالي والرقي الأخلاقي، وهو ما جعله مرمى لسهام الطعن والكذب عليه بغرض تشويه صورته الناصعة والمشرقة، وهي محاولات واهية لإطفاء أشعة الشمس وقد باءت بالخيبة والفشل ولم يستطيعوا أن ينالوا من شرف الإمام ، كيف وهو صاحب مدرسة الأخلاق الراقية في التعامل الحسن والتجاوز عن المسيئين ومقابلة إساءتهم بالعفو والتسامح، وفي حياته الشريفة واجه الإمام الحسن من المواقف الصعبة ما أثبت له مقاما ساميا واستحقاقا للتمثيل الحقيقي لدوحة النبوة والخلافة الإلهية، فليس هناك من اختبار أشد وأوضح من امتلاك الإنسان للقيم الأخلاقية من توجيه الإساءة له باستنقاص أو شتم، فهناك من يمتلك القشريات التي تسقط سريعا أمام الانفعال الشديد وردة الفعل القاسية فيرد الصاع صاعين، ويوجه له أقسى العبارات والكلمات النابية، وأما ضبط النفس وكظم الغيظ واحتواء الموقف من خلال الهدوء النفسي ومواجهة الكلام الخشن بطيبه وعذبه حتى تهدأ فورة وغضب الطرف الآخر فشيم الكرام، وهذا الدرس نستقيه بشكل عملي من مواقف الإمام والتي واجه فيها القسوة في التعامل والشتم، فما قابل ذلك إلا بأخلاق جده المصطفى ﷺ وأبدى اللين والتسامح والعفو عمن أساء له، كما يحدثنا التاريخ عن موقفه مع ذلك الشامي الذي كال للإمام وأمير المؤمنين شتى صنوف الشتم، فما كان من الإمام إلا مقابلة ذلك بكظم غيظه وتهدئة نفس الشامي وامتصاص انفعاله، حتى تحول المشهد إلى الضفة الأخرى واستشعر الشامي عظم خطأه وقدم اعتذاره للإمام وتاب مما اقترفه؛ ليقدم لنا بذلك منهجا في التعامل مع الشخصيات الصعبة والمواقف الانفعالية، فلا ننجر إلى ردات الفعل الغاضبة والمنتهية بالخصومة والمشاحنة، ولو جعلنا منهج الإمام في الإساءة لنا لتفادينا الكثير من حالات المشاكل الزوجية والأسرية والاجتماعية، إذ أننا ابتعدنا عن منهج التسامح والصفح وتجنب العداوات المصطنعة.
الإمام المجتبى قاد حركة التغيير الإصلاحي في الأمة من خلال منهج العطاء بكافة أشكاله وأنحائه الذي عم خيره بين الناس، وهذا التغيير كان من خلال تقديم النموذج الكامل في صفاته ومواقفه ليقتدي به الناس ويربي الفرد نفسه ويهذبها من خلال ما يراه من سيرة معطاءة فاعلة، إذ تلمس الإمام المجتبى جهتي نقص وذم من النفس الإنسانية، وهما: الشح والغضب، فشح النفس يدعوها إلى تأليه الذات والتقوقع حول مصالحها الضيقة وتبلد الإحساس تحاه حاجات وآلام الآخرين، كما أن روح الاستئثار بالأموال وجمعها يعلي منسوب الجشع والطمع، فكان عطاء المجتبى منهجا وخريطة طريق تقود الناس نحو التكاتف والتكافل الاجتماعي ومد يد العون للمحتاجين، مقتدين بسيرة إمام بذل كل ما عنده من مال في سبيل الخير والمساعدة.
وسيرة الإمام في التعامل مع المسيئين دعوة إلى تحكيم العقل الواعي والنفس النزيهه لنبذ الخصومات والمشاحنات وتهديد السلم الأهلي واستقرار العلاقات الاجتماعية، فالقرار الرصين الصائب هو تجنب الدخول في مواجهات ومناكفات مع الآخرين وإن أساؤوا لنا، فيكفي للردع أن نتصور تلك الأضرار اللاحقة بنا نفسيا وروحيا بسبب تلك الخصومات