فتش عن الزوائد.. كيف تواجه الحيوانات التغير المناخي؟
آذان الأفيال التي تستخدم في تنظيم حرارتها تتأثر بالتغير المناخي (غيتي)
تقول دراسة نشرت في مجلة "تريندس إن إيكولوجي آند إيفوليوشن" (Trends in Ecology and Evolution)، في السادس من سبتمبر/أيلول الجاري إن ظاهرة التغير المناخي ليست مشكلة بشرية يجب أن يتكيف معها البشر فحسب، بل إنها مشكلة يتعرض لها عدد من الحيوانات في كوكب الأرض، حيث تتغير أشكال بعض الحيوانات "ذوات الدم الحار" وتحصل على مناقير وأرجل وآذان أكبر. وذلك أن كوكبنا الذي يشتد حرارة يجبر تلك الحيوانات على "تغيير شكلها" بسرعة لتنظيم درجة حرارة أجسامها بشكل أفضل مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، حسب تعبير الدراسة.
ووفقا لتقرير نشره موقع "ذا كونفرسيشن" (The Conversation)، يمثل الاحتباس الحراري تحديا كبيرا للحيوانات التي يجب أن تحافظ على درجة حرارة ثابتة لأجسامها. ويضيف التقرير أن الحيوانات تتعامل مع ظاهرة الاحتباس الحراري بطرق مختلفة، إذ ينتقل بعضها إلى مناطق أكثر برودة، مثل القطبين أو إلى أراض مرتفعة. كما يغير بعضهم توقيت أحداث الحياة الرئيسية مثل التكاثر والهجرة، التي تحدث في أوقات أكثر برودة، وآخرون تتغير أحجام أجسامهم ليبردوا بسرعة أكبر، حسب التقرير.
تأتي هذه الدراسة بعد عقود من مراقبة كيفية تكيف الحيوانات مع ظاهرة الاحتباس الحراري.
مناقير الطيور تؤدي وظيفة تحويل تدفق الدم إلى المنقار عندما يكون الطائر ساخنا (غيتي)
التمسك بقاعدة "ألِن"
يقول تقرير موقع ذا كونفرسيشن إنه بحسب "قاعدة ألِن" (Allen’s rule) فإن الحيوانات تستخدم ملحقاتها لتنظيم درجة حرارتها الداخلية؛ فالفيلة الأفريقية -على سبيل المثال- تضخ الدم الدافئ إلى آذانها الكبيرة، ثم ترفرف بعد ذلك لتفريق الحرارة. كما تؤدي مناقير الطيور وظيفة مماثلة، إذ يمكنها تحويل تدفق الدم إلى المنقار عندما يكون الطائر ساخنا.
قاعدة ألن هي قاعدة مجتمعية صاغها جويل ألن (Joel Allen) عام 1877، وتنص على أن الحيوانات المتكيفة مع المناخ البارد تمتلك أطرافا قصيرة نسبيا. وتساعد قاعدة ألِن أيضا في وضع تنبؤات حول كيفية تطور الحيوانات مع ارتفاع درجة حرارة المناخ، والبحث عن أمثلة على تغير شكل الحيوانات خلال القرن الماضي بما يتفق مع ارتفاع درجة حرارة المناخ.
وفي الدراسة الجديدة، قام علماء من "جامعة ديكين" (Deakin University) الأسترالية بتحليل سجلات المتاحف لأجسام الحيوانات وراجعوا التحليلات طويلة المدى للحيوانات البرية.
كشف الفحص عن عديد من الحالات التي نمت فيها بعض الملاحق بسرعة خلال فترة زمنية قصيرة، ووجدوا أن معظم الأمثلة الموثقة لتغير الشكل تشمل الطيور على وجه التحديد، مثل الزيادات في حجم المنقار، ويشمل هذا عدة أنواع من الببغاوات الأسترالية.
أحجام مناقير الببغاوات زادت ما بين 4 و10% منذ 1871 (غيتي)
وقد أشارت الدراسات السابقة إلى أن حجم منقار ببغاوات "غانغ غانغ كوكاتو" (Gang-gang cockatoos) و"الببغاوات ذات الردف الأحمر" (Red-rumped parrots) قد زاد بنسبة تتراوح بين 4 و10% منذ عام 1871.
كما حدثت زيادات في بعض الثدييات، على سبيل المثال، "الزبابة المقنعة" (Masked shrew) -من القوارض- زاد طول ذيلها وساقها بشكل ملحوظ منذ عام 1950. أما في "الخفاش ذي الأوراق المستديرة الكبيرة" (Great Roundleaf Bat)، فلقد زاد حجم الجناح بنسبة 1.64% خلال الفترة نفسها.
كما تشير مجموعة متنوعة من الأمثلة إلى أن تغيير الشكل يحدث في أنواع مختلفة من الزوائد وفي مجموعة متنوعة من الحيوانات، وفي مناطق كثيرة من العالم. لكن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتحديد أنواع الحيوانات الأكثر تضررا.
الزبابة المقنعة زاد طول ذيلها وساقها بشكل ملحوظ منذ عام 1950 (غيتي)
استخدامات أخرى للملاحق
لكن هناك أسباب أخرى قد تفسر التغيرات في شكل جسم الحيوان، فعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن متوسط حجم منقار "عصفور الأرض المتوسط" (medium ground finch) في غالاباغوس قد تغير بمرور الوقت استجابة لحجم البذور الذي يتأثر بدوره بهطول الأمطار.
كما وجد الباحثون في هذه الدراسة دليلا واضحا على أن الطيور ذات المناقير الأصغر تكون أقل احتمالية للبقاء على قيد الحياة في الصيف الحار، إذ إن هذا التأثير على البقاء أقوى من ذلك الذي لوحظ مع هطول الأمطار. كما تفيد الدراسة أن دور درجة الحرارة قد يكون بالأهمية نفسها للاستخدامات الأخرى للملحقات، مثل التغذية، في إحداث تغييرات في حجم الزائدة.
ويقول الباحثون إنه يمكن التنبؤ بالأنواع التي من المرجح أن تغير حجم الزائدة استجابة لارتفاع درجات الحرارة، أي تلك التي تلتزم بقاعدة ألِن. وتشمل هذه -مع بعض المحاذير- "الزرزور" (starlings)، و"عصافير الغناء" (song sparrows)، ومجموعة من الطيور البحرية والثدييات الصغيرة، مثل "أبوسوم الرشيق" (gracile opossum) في أميركا الجنوبية.
التنبؤ بالتغيرات في حجم زوائد الطيور ممكن نتيجة لارتفاع درجات الحرارة (غيتي)
تقول سارة رايدينغ، طالبة دكتوراه في علم الطيور بجامعة ديكين الأسترالية، إن دراستهم تسهم في فهم كيفية استجابة الحياة البرية لتغير المناخ، فضلا عن تحسين قدرتنا على التنبؤ بتأثيرات تغير المناخ، وسيمكننا ذلك من تحديد الأنواع الأكثر عرضة للخطر التي تتطلب أولوية الحفاظ عليها.
وتضيف رايدينغ أن بحثهم يظهر أنه إذا كان بعض الحيوانات تتكيف مع تغير المناخ، فإن كثيرا منها لن يفعل ذلك، على سبيل المثال، قد تضطر بعض الطيور إلى الحفاظ على نظام غذائي معين مما يعني أنها لن تستطيع تغيير شكل منقارها.
لذا، بينما يعد التنبؤ بكيفية استجابة الحياة البرية لتغير المناخ أمرا مهما، فإن أفضل طريقة لحماية الأنواع في المستقبل هي تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل كبير ومنع حدوث أكبر قدر ممكن من الاحترار العالمي، حسب الباحثة.