الوقت : 2021/09/12
{تقارير: الفرات نيوز} أجمعت الشرائع والقوانين الوضعية على اعتبار شهادة الزور من الجرائم الخطرة لان لها مساسا مباشرا بالحقيقة وتأثيرا مباشرا على حقوق الناس سواء كانوا متهمين أم مشتكين وبالتالي لها الأثر الأكبر في إشاعة العدل في المجتمع، لذا أولت جميع التشريعات على وضع عقوبات شديدة بحق مرتكبي شهادة الزور.
وعدّ قانون العقوبات العراقي رقم /111 لسنة 1979 جريمة شهادة الزور من الجرائم الماسة بسير العدالة وقد أولى المشرع أهمية كبيرة لهذه الجريمة، ونجد إن القـران الكريم أشار إلى أهمية الشهادة كما في قوله تعالى (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً) ومن هنا نجد أهمية الشهادة وخطورتها والنص على حرمتها في الشريعة الإسلامية وجميع الشرائع واعتبارها جريمة كبيرة.
يقول القاضي محمد سلمان القاضي الأول لمحكمة تحقيق الكرخ أن "قانون العقوبات العراقي كان قد عرف جريمة شهادة الزور في المادة (251) منــه حيــث نصت على ان (شهادة الزور هي أن يعد الشاهد بعد أدائه اليمين القانونية أمام محكمة مدنية أو إدارية أو تأديبية أو محكمة خاصة أو سلطة من سلطات التحقيق إلى تعزيز الباطل وإنكار الحق أو كتمان كل أو بعض ما يعرفه من الوقائع التي تودي الشهادة عنها)".
وأشار سلمان إلى أن "القانون قد أورد صوراً مختلفة لشهادة الزور تتمثل بفعل ايجابي من قبل الشاهد ويكون ذلك في حالة الشهادة لتعزيز أمور باطلة كأن يقدم المشتكي شكوى غير صحيحة أمام المحكمة ويعززها الشاهد بالإدلاء بالشهادة لتعزيز هذا الباطل كان يدعي شخص باطلا بأنه تعرض لجريمة سرقة ويحضر الشاهد لتعزيز ذلك وتبين بعد ذلك عدم تعرض المشتكي للسرقة أصلا، كما أورد القانون حالة أخرى تجسدت بـإنكار الحق والتي تتمثل بعدم أداء الشهادة لتقدير الوقائع الصحيحة والشهادة بعكس الحقيقة، وهناك حالة أخرى تجسدت بالشهادة بشكل سلبي وهي تتمثل في امتناع الشاهد بالإدلاء بالمعلومات كاملة أو أن يخفي بعض ما يعرفه من معلومات".
ويرى سلمان أن "قانون العقوبات العراقي جرم شهادة الزور واعتبر العقوبة المقررة للشهادة زوراً هي الحبس أو الغرامة، أما إذا ترتب على الشهادة حكم بحق من تم الشهادة ضده زوراً يعاقب الشاهد بالعقوبة المقررة للمتهم المحكوم نفسها بناءً على شهادة الزور، ولم يكتف المشرع العراقي بمعاقبة أو تجريم الشاهد الزور وإنما حرص على حماية الشهود والحد من التأثير على إرادتهم عند الشهادة".
ويجد سلمان أن "العقوبات الموضوعة حالياً لجريمة شهادة الزور هي عقوبات رادعة وكافية والواقع إن شهادة الزور قد انحسرت بشكل كبير بفعل تشدد القضاء في فرض العقوبات الرادعة إضافة إلى أن التطور التكنولوجي الذي لم يجعل الشهادة هي السبب الوحيد في الحكم إنما قد يتم التوصل إلى الجريمة من خلال وسائل علمية وفنية وبشكل أوثق من الشهادة".
وعرج القاضي على أن "اغلب الشهود الزور وخاصة في الدعاوى الجزائية يكونون على معرفة بأحد أطراف الدعوى ما يشجعه على الشهادة زوراً والواقع أن شهادة الزور بدأت تنحسر تدريجياً بسبب تعمق السادة القضاة في التحقيقات وتوجيه الأسئلة الدقيقة للشاهد للوصول للحقيقة وبالتالي أي مخالفة للوقائع أو التناقض بإفادة الشاهد سيكون عرضة للتحقيق والتدقيق من قبل قاضي التحقيق أو المحكمة وبالتالي يتم التوصل إلى أن شهادة الشاهد غير صحيحة وبالتالي يتم اتخاذ الإجراءات بحقه".
وتابع أن "طلب الشهود يختلف باختلاف القضايا المدنية او الجزائية ففي القضايا التحقيقية قد يكون الاستماع إلى الشهود بناءً على طلب احد أطراف الدعوى وموافقة المحكمة بذلك أو قد تقوم المحكمة من تلقاء نفسها بطلب شهادة شخص تجده من خلال الوقائع له تأثير في التوصل للحقيقة لذا تقوم المحكمة بإحضاره للشهادة ولو لم يطلبه الخصوم، ويستطيع قاضي التحقيق أن يصدر أمر القبض بحق الشاهد المتخلف عن الحضور وإحضاره جبراً لإدلاء الشهادة واستنادا للمادة ( 59/ ج ) الأصولية".
وفي حالة كون الشاهد لا قدرة له على الكلام، يقول القاضي "يجوز أن يدلي بشهادته كتابة أو بالإشارة المعروفة إن كان لا يستطيع الكتابة وإذا كان الشاهد لا يفهم اللغة التي يجري التحقيق فيها أو كان أصم أو أبكم جاز للمحكمة طلب مترجم لأقواله أو أشاراته بعد أداء المترجم اليمين القانونية أن يترجم بصدق وأمانة ويتم تثبيت الشهادة بمحضر مكتوب ويتم توقيعه من قبل الشاهد".
من جانبه أفاد القاضي جاسم محمد كاظم قاضي تحقيق محكمة بغداد الجديدة بأن "شهادة الزور هي جريمة عمدية لا يمكن أن تتحقق بالخطأ ويشترط توافر القصد الجرمي فيها، وقد عاقب المشرع مرتكبها بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين إلا أنً المادة 252 / عقوبات شددت إلى معاقبة مرتكبها بنفس عقوبة المتهم الذي أدين بسبب الشهادة أي من الممكن أن تصل إلى السجن فالأصل أنها جنحة وإذا ما كانت الجريمة التي أدليت فيها الشهادة جناية وأدين لاحقاً المتهم فيها بشهادة الزور تصبح جناية".
ولفت كاظم إلى أن "المادة الخامسة من قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 قد أشارت إلى مهام الادعاء العام ومنها إقامة الدعاوى بالحق العام، والحضور على إجراء التحقيق في الجنايات والجنح، والطعن بعدم دستورية القوانين والأنظمة أمام المحكمة الاتحادية العليا، وغيرها فإذا ما تحققت جريمة شهادة الزور فتتخذ الإجراءات القانونية بحق مرتكبها بناء على طلب الادعاء العام، أو المشتكي، أو صدور قرار من المحكمة أو من قاضي التحقيق مباشرة كونها تتعلق بالحق العام وبدوره يراقب الادعاء العام الإجراءات المتخذة وتقديم الطلبات على ضوء ذلك".
وتابع القاضي حديثه قائلاً "أود أن أشير هنا إلى أن إفادة المشتكي هي من أدلة الإثبات وتعتبر شهادة إذ يحلف بها المشتكي اليمين القانونية قبل أداء إفادته وقد أجازت المادة 60 من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 / لسنة 1971 أنه بالإمكان سماع شهادة المشتكي وأداء اليمين القانونية فإذا أثبت عدم صحة الأقوال فيتم اتخاذ الإجراءات بحقه".
ويتم استدعاء الشهود من قبل القاضي أو المحقق بورقة تكليف بالحضور تبلغ إليهم بواسطة الشرطة، -كما يقول القاضي- ويجوز تبليغ الشهود عن طريق دوائرهم إذا كانوا منتسبين في الدوائر الحكومية، أما حال الجريمة المشهودة يبلغ الشاهد شفوياً بالحضور لأداء شهادته ويسأل عن أسمه ولقبه وصناعته ومحل إقامته وعلاقته بالمتهم والمجني عليه ويحلف اليمين القانونية قبل أداء شهادته شرط أن يكون أتم الخامسة عشرة من عمره وبخلافه فلا يحلف اليمين بل يستمع لشهادته لغرض الاستدلال منها فقط.
وفي حال امتناع الشاهد عن الحضور رغم تبليغه فيجوز إصدار أمر قبض بحقه وفق المادة 59 من قانون أصول المحاكمات الجزائية جبراً لأداء شهادته بغية الوصول إلى الحقيقة وكذلك يمكن اتخاذ الإجراءات القانونية ضده كمتهم وفق أحكام المادة 238 عقوبات وإصدار أمر قبض بحقه وفقها لتأمين إحضاره أمام المحكمة.