عَنْ الْإِمَامِ عَلِيٍّ السَّجَادِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
وَأَمَّا كَلَامُ الذِّئْبِ لَهُ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) كَانَ جَالِساً ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ جَاءَهُ رَاعٍ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُ قَدِ اسْتَقْرَعَهُ الْعَجَبُ ، فَلَمَّا رَآهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مِنْ بَعِيدٍ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا شَأْناً عَجِيباً ، فَلَمَّا وَقَفَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : حَدِّثْنَا بِمَا أَزْعَجَكَ ! قَالَ الرَّاعِي : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرٌ عَجِيبٌ ! كُنْتُ فِي غَنَمِي إِذْ جَاءَ ذِئْبٌ فَحَمَلَ حَمَلًا فَرَمَيْتُهُ بِمِقْلَاعَتِي فَانْتَزَعْتُهُ مِنْهُ ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَتَنَاوَلَ حَمَلًا فَرَمَيْتُهُ بِمِقْلَاعَتِي فَانْتَزَعْتُهُ مِنْهُ ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَتَنَاوَلَ حَمَلًا فَرَمَيْتُهُ بِمِقْلَاعَتِي فَانْتَزَعْتُهُ ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَتَنَاوَلَ حَمَلًا فَرَمَيْتُهُ بِمِقْلَاعَتِي فَانْتَزَعْتُهُ مِنْهُ ، ثُمَّ جَاءَ الْخَامِسَةَ هُوَ وَأُنْثَاهُ يُرِيدَانِ أَنْ يَتَنَاوَلَا حَمَلًا .
فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَأَقْعَى عَلَى ذَنَبِهِ وَقَالَ : أَمَا تَسْتَحْيِي تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ رِزْقٍ قَدْ قَسَمَهُ اللَّهُ لِي ؟! أَفَمَا أَحْتَاجُ أَنَا إِلَى غَدَاءٍ أَتَغَدَّى بِهِ ؟ فَقُلْتُ : مَا أَعْجَبَ هَذَا ذِئْبٌ أَعْجَمُ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ ؟! فَقَالَ لِيَ الذِّئْبُ : أَلَا أُنَبِّئُكَ بِمَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ كَلَامِي لَكَ ؟ مُحَمَّدٌ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ ، يُحَدِّثُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَمَا لَمْ يَأْتِ مِنَ الْآخِرِينَ ، ثُمَّ الْيَهُودُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ وَوُجُودِهِمْ لَهُ فِي كُتُبِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِأَنَّهُ أَصْدَقُ الصَّادِقِينَ وَأَفْضَلُ الْفَاضِلِينَ يُكَذِّبُونَهُ وَيَجْحَدُونَهُ وَهُوَ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ ، وَهُوَ الشِّفَاءُ النَّافِعُ ، وَيْحَكَ يَا رَاعِي آمِنْ بِهِ تَأْمَنْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ، وَأَسْلِمْ لَهُ تَسْلَمْ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ .
فَقُلْتُ لَهُ : وَاللَّهِ لَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ كَلَامِكَ وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ مَنْعِي لَكَ مَا تَعَاطَيْتَ أَكْلَهُ ! فَدُونَكَ غَنَمِي فَكُلْ مِنْهَا مَا شِئْتَ ، لَا أُدَافِعُكَ وَلَا أُمَانِعُكَ . فَقَالَ لِيَ الذِّئْبُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ احْمَدِ اللَّهَ إِذْ كُنْتَ مِمَّنْ يَعْتَبِرُ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَنْقَادُ لِأَمْرِهِ ، لَكِنَ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ مَنْ يُشَاهِدُ آيَاتِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فِي أَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَمَا يُؤَدِّيهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَضَائِلِهِ ، وَمَا يَرَاهُ مِنْ وُفُورِ حَظِّهِ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ فِيهِ وَالزُّهْدِ الَّذِي لَا يُحَاذِيهِ أَحَدٌ فِيهِ وَالشَّجَاعَةِ الَّتِي لَا عِدْلَ لَهُ فِيهَا وَنُصْرَتِهِ لِلْإِسْلَامِ الَّتِي لَا حَظَّ لِأَحَدٍ فِيهَا مِثْلَ حَظِّهِ ، ثُمَّ يَرَى مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُ بِمُوَالاتِهِ وَمُوَالاةِ أَوْلِيَائِهِ وَالتَّبَرِّي مِنْ أَعْدَائِهِ ، وَيُخْبِرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ عَمَلًا وَإِنْ جَلَّ وَعَظُمَ مِمَّنْ خَالَفَهُ ، ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ يُخَالِفُهُ وَيَدْفَعُهُ عَنْ حَقِّهِ وَيَظْلِمُهُ وَيُوَالِي أَعْدَاءَهُ وَيُعَادِي أَوْلِيَاءَهُ ، إِنَّ هَذَا لَأَعْجَبُ مِنْ مَنْعِكَ إِيَّايَ !
قَالَ الرَّاعِي : فَقُلْتُ أَيُّهَا الذِّئْبُ ! أَوَكَائِنٌ هَذَا ؟ قَالَ : بَلَى وَمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ ! سَوْفَ يَقْتُلُونَهُ بَاطِلًا وَيَقْتُلُونَ وُلْدَهُ وَيَسْبُونَ حَرِيمَهُمْ ! وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ ! فَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ مَعَ صَنِيعِهِمْ هَذَا بِسَادَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَعْجَبُ مِنْ مَنْعِكَ لِي ، لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَنَا مَعَاشِرَ الذِّئَابِ أَنَا وَنُظَرَائِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ نَمْزِقُهُمْ فِي النِّيرَانِ يَوْمَ فَصْلِ الْقَضَاءِ ، وَجَعَلَ فِي تَعْذِيبِهِمْ شَهَوَاتِنَا وَفِي شَدَائِدِ آلَامِهِمْ لَذَّاتِنَا . قَالَ الرَّاعِي : فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَوْ لَا هَذِهِ الْغَنَمُ بَعْضُهَا لِي وَبَعْضُهَا أَمَانَةٌ فِي رَقَبَتِي لَقَصَدْتُ مُحَمَّداً حَتَّى أَرَاهُ . فَقَالَ لِيَ الذِّئْبُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ فَامْضِ إِلَى مُحَمَّدٍ وَاتْرُكْ عَلَيَّ غَنَمَكَ لِأَرْعَاهَا لَكَ . فَقُلْتُ : كَيْفَ أَثِقُ بِأَمَانَتِكَ ؟ فَقَالَ لِي : يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ الَّذِي أَنْطَقَنِي بِمَا سَمِعْتَ هُوَ الَّذِي يَجْعَلُنِي قَوِيّاً أَمِيناً عَلَيْهَا ، أَوَلَسْتُ مُؤْمِناً بِمُحَمَّدٍ مُسَلِّماً لَهُ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَخِيهِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ؟ فَامْضِ لِشَأْنِكَ فَإِنِّي رَاعِيكَ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ مَلَائِكَتُهُ الْمُقَرَّبُونَ رُعَاةٌ لِي إِذْ كُنْتُ خَادِماً لِوَلِيِ اللَّهِ عَلِيٍّ .
فَتَرَكْتُ غَنَمِي عَلَى الذِّئْبِ وَالذِّئْبَةِ وَجِئْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ وَفِيهَا مَا يَتَهَلَّلُ سُرُوراً بِهِ وَتَصْدِيقاً ، وَفِيهَا مَنْ يَعْبِسُ شَكّاً فِيهِ وَتَكْذِيباً ، وَيُسِرُّ مُنَافِقُونَ إِلَى أَمْثَالِهِمْ هَذَا قَدْ وَاطَأَهُ مُحَمَّدٌ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِيَخْدِعَ بِهِ الضُّعَفَاءَ الْجُهَّالَ ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَقَالَ : لَئِنْ شَكَكْتُمْ أَنْتُمْ فِيهِ فَقَدْ تَيَقَّنْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِيَ الْكَائِنُ مَعِي فِي أَشْرَفِ الْمَحَالِّ مِنْ عَرْشِ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ ، وَالْمَطُوفُ بِهِ مَعِي فِي أَنْهَارِ الْحَيَوَانِ مِنْ دَارِ الْقَرَارِ ، وَالَّذِي هُوَ تَلْوِي فِي قِيَادَةِ الْأَخْيَارِ ، وَالْمُتَرَدِّدُ مَعِي فِي الْأَصْلَابِ الزَّاكِيَاتِ ، الْمُتَقَلِّبُ مَعِي فِي الْأَرْحَامِ الطَّاهِرَاتِ ، الرَّاكِضُ مَعِي فِي مَسَالِكِ الْفَضْلِ ، وَالَّذِي كُسِيَ مَا كُسِيتُهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالْعَقْلِ ، وَشَقِيقِيَ الَّذِي انْفَصَلَ مِنِّي عِنْدَ الْخُرُوجِ إِلَى صُلْبِ عَبْدِ اللَّهِ وَصُلْبِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَدِيلِي فِي اقْتِنَاءِ الْمَحَامِدِ وَالْمَنَاقِبِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَالصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ وَسَاقِي أَوْلِيَائِي مِنْ نَهَرِ الْكَوْثَرِ ، آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَالْفَارُوقُ الْأَعْظَمُ وَنَاصِرُ أَوْلِيَائِي السَّيِّدُ الْأَكْرَمُ ، آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ مِحْنَةً لِأَوْلَادِ الْغَيِّ وَالرِّشْدِ ، وَجَعَلَهُ لِلْمُوَالِينَ لَهُ أَفْضَلَ الْعُدَّةِ ، آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ لِدِينِي قِوَاماً وَلِعُلُومِي عَلَّاماً وَفِي الْحُرُوبِ مِقْدَاماً وَعَلَى أَعْدَائِي ضِرْغَاماً أَسَداً قَمْقَاماً ، آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَمَنْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَقَدَّمَهُمْ إِلَى رِضَا الرَّحْمَنِ ، وَتَفَرَّدَ دُونَهُمْ بِقَمْعِ أَهْلِ الطُّغْيَانِ ، وَقَطَعَ بِحُجَجِهِ وَوَاضِحِ بَيْنَاتِهِ مَعَاذِيرَ أَهْلِ الْبُهْتَانِ ، آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِي سَمْعاً وَبَصَراً وَيَداً وَمُؤَيِّداً وَسَنَداً وَعَضُداً . لَا أُبَالِي مِمَّنْ خَالَفَنِي إِذَا وَافَقَنِي ، وَلَا أَحْفِلُ بِمَنْ خَذَلَنِي إِذَا وَازَرَنِي ، وَلَا أَكْتَرِثُ بِمَنِ ازْوَرَّ عَنِّي إِذَا سَاعَدَنِي ، آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَمَنْ زَيَّنَ اللَّهُ بِهِ الْجِنَانَ وَبِمُحِبِيهِ ، وَمَلَأَ طَبَقَاتِ النِّيرَانِ بِشَانِئِيهِ ، وَلَمْ يَجْعَلْ أَحَداً مِنْ أُمَّتِي يُكَافِيهِ وَلَا يُدَانِيهِ ، لَمْ يَضُرَّنِي عُبُوسُ الْمُتَعَبِّسِينَ مِنْكُمْ إِذَا تَهَلَّلَ وَجْهُهُ ، وَلَا إِعْرَاضُ الْمُعْرِضِينَ مِنْكُمْ إِذَا خَلَصَ لِي وُدُّهُ ، ذَاكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي لَوْ كَفَرَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرَضِينَ لَنَصَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ وَحْدَهُ هَذَا الدِّينَ ، وَالَّذِي لَوْ عَادَاهُ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ لَبَرَزَ إِلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بَاذِلًا رُوحَهُ فِي نُصْرَةِ كَلِمَةِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَتَسْفِيلِ كَلِمَاتِ إِبْلِيسَ اللَّعِينِ . ثُمَّ قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : هَذَا الرَّاعِي لَمْ يَبْعُدْ شَاهِدُهُ ، فَهَلُمُّوا بِنَا إِلَى قَطِيعِهِ نَنْظُرْ إِلَى الذِّئْبَينِ ، فَإِنْ كَلَّمَانَا وَوَجَدْنَاهُمَا يَرْعَيَانِ غَنَمَهُ ، وَإِلَّا كُنَّا عَلَى رَأْسِ أَمْرِنَا .
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَوُا الْقَطِيعَ مِنْ بَعِيدٍ قَالَ الرَّاعِي : ذَاكَ قَطِيعِي . فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : فَأَيْنَ الذِّئْبَانِ ؟ فَلَمَّا قَرُبُوا رَأَوُا الذِّئْبَيْنِ يَطُوفَانِ حَوْلَ الْغَنَمِ يَرُدَّانِ عَنْهَا كُلَّ شَيْءٍ يُفْسِدُهَا . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : أَتُحِبُّونَ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ الذِّئْبَ مَا عَنَى غَيْرِي بِكَلَامِهِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : أَحِيطُوا بِي حَتَّى لَا يَرَانِيَ الذِّئْبَانِ ، فَأَحَاطُوا بِهِ . فَقَالَ لِلرَّاعِي : يَا رَاعِي قُلْ لِلذِّئْبِ مَنْ مُحَمَّدٌ الَّذِي ذَكَرْتَهُ مِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ ؟ فَجَاءَ الذِّئْبُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَتَنَحَّى عَنْهُ ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى آخَرَ وَتَنَحَّى عَنْهُ ، فَمَا زَالَ حَتَّى دَخَلَ وَسْطَهُمْ فَوَصَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) هُوَ وَأُنْثَاهُ وَقَالا : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَيِّدَ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ . وَوَضَعَا خُدُودَهُمَا عَلَى التُّرَابِ وَمَرَّغَاهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالا : نَحْنُ كُنَّا دُعَاةً إِلَيْكَ ، بَعَثْنَا إِلَيْكَ هَذَا الرَّاعِيَ وَأَخْبَرْنَاهُ بِخَبَرِكَ . فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إِلَى الْمُنَافِقِينَ مَعَهُ فَقَالَ : مَا لِلْكَافِرِينَ عَنْ هَذَا مَحِيصٌ وَلَا لِلْمُنَافِقِينَ مِنْ هَذَا مَوْئِلٌ وَلَا مَعْدِلٌ . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : هَذِهِ وَاحِدَةٌ قَدْ عَلِمْتُمْ صِدْقَ الرَّاعِي فِيهَا ، أَفَتُحِبُّونَ أَنْ تَعْلَمُوا صِدْقَهُ فِي الثَّانِيَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : أَحِيطُوا بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) . فَفَعَلُوا ثُمَّ نَادَى رَسُولُ اللَّهِ : أَيُّهَا الذِّئْبَانِ ، إِنَّ هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ أَشَرْتُمَا لِلْقَوْمِ إِلَيْهِ وَعَيَّنْتُمَا عَلَيْهِ ، فَأَشِيرَا وَعَيِّنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي ذَكَرْتُمَاهُ بِمَا ذَكَرْتُمَاهُ . فَجَاءَ الذِّئْبَانِ وَتَخَلَّلَا الْقَوْمَ وَجَعَلَا يَتَأَمَّلَانِ الْوُجُوهَ وَالْأَقْدَامَ ، وَكُلُّ مَنْ تَأَمَّلَاهُ أَعْرَضَا عَنْهُ حَتَّى بَلَغَا عَلِيّاً ، فَلَمَّا تَأَمَّلَاهُ مَرَّغَا فِي التُّرَابِ أَبْدَانَهُمَا وَوَضَعَا عَلَى الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْهِ خُدُودَهُمَا وَقَالا : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حَلِيفَ النَّدَى وَمَعْدِنَ النُّهَى وَمَحَلَّ الْحِجَى وَعَالِماً بِمَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى وَوَصِيَّ الْمُصْطَفَى ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ أَسْعَدَ اللَّهُ بِهِ مُحِبِّيهِ وَأَشْقَى بِعَدَاوَتِهِ شَانِئِيهِ ، وَجَعَلَكَ سَيِّدَ آلِ مُحَمَّدٍ وَذَوِيهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ لَوْ أَحَبَّهُ أَهْلُ الْأَرْضِ كَمَا يُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ لَصَارُوا خِيَارَ الْأَصْفِيَاءِ ، وَيَا مَنْ لَوْ أَحَسَّ بِأَقَلِّ قَلِيلٍ مِنْ بُغْضِهِ مَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الْعَرْشِ إِلَى الثَّرَى لَانْقَلَبَ بِأَعْظَمِ الْخِزْيِ وَالْمَقْتِ مِنَ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى .
فَعَجِبَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا ظَنَنَّا أَنَّ لِعَلِيٍّ هَذَا الْمَحَلَّ مِنَ السِّبَاعِ مَعَ مَحَلِّهِ مِنْكَ ؟! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : فَكَيْفَ لَوْ رَأَيْتُمْ مَحَلَّهُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَبْثُوثَاتِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَفِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْحُجُبِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ ؟! وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ تَوَاضُعِ أَمْلَاكِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى لِمِثَالِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الْمَنْصُوبِ بِحَضْرَتِهِمْ لِيَشْبَعُوا بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ بَدَلًا مِنَ النَّظَرِ إِلَى عَلِيٍّ كُلَّمَا اشْتَاقُوا إِلَيْهِ ، مَا يَصْغَرُ فِي جَنْبِهِ تَوَاضُعُ هَذَيْنِ الذِّئْبَيْنِ وَكَيْفَ لَا يَتَوَاضَعُ الْأَمْلَاكُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُقَلَاءِ لِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، وَهَذَا رَبُّ الْعِزَّةِ قَدْ آلَى عَلَى نَفْسِهِ قَسَماً حَقّاً لَا يَتَوَاضَعُ أَحَدٌ لِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَدْرَ شَعْرَةٍ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ فِي عُلْوِ الْجِنَانِ مَسِيرَةَ مِائَةِ أَلْفِ سَنَةٍ . وَإِنَّ التَّوَاضُعَ الَّذِي تُشَاهِدُونَهُ يَسِيرٌ قَلِيلٌ فِي جَنْبِ هَذِهِ الْجَلَالَةِ وَالرِّفْعَةِ اللَّتَيْنِ عَنْهُمَا تُخْبِرُونَ .
المصادر : (تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : ص181. والبحار : ج17، ص321. ومدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني : ص42. وأورد مثله في ثاقب المناقب : ص39 عن أبي سعيد الخدري باختصار.)