الأولى من نوعها.. مكفوفون يؤسسون فرقة مسرحية في العراق
فرقة السراج تحيي الجمهور بعد أحد عروضها المسرحية في كربلاء
كربلاء– فرقة جلّها من المكفوفين الذين أرادوا أن يبرهنوا أن لهم طاقات إبداعية فأسسوا فرقة مسرحية أطلقوا عليها اسم "السراج" للفنون المسرحية.
وانطلقوا من مكان تأسيسها مدينة كربلاء (جنوبا) إلى العاصمة بغداد ومدن أخرى، ووجدوا بعض المخرجين الذين تعاونوا معهم وأخرجوا لهم خصيصا عدة مسرحيات.
ربما هناك فرق فنية مثلها في بلدان عربية أخرى، لكن فرقة السراج هي الأولى من نوعها في العراق والتي بدأت بـ7 أعضاء من المكفوفين ليصل عددهم الآن إلى 15 ممثلا وفنيا، قاموا بتقديم العديد من المسرحيات بإخراج فنانين عراقيين كبار.
الكناني رئيس فرقة السراج خلال أدائه دورا في أحد العروض المسرحية
الفكرة والتأسيس
البدايات الأولى من تجمّعٍ لعدد من المكفوفين في كربلاء وهم يمارسون حياتهم ويتبادلون الأفكار التي انبثقت منها فكرة تأسيس فرقة أطلقوا عليها فرقة السراج المسرحية، وكان ذلك في فبراير/شباط 2012.
ويقول رئيس الفرقة عثمان الكناني إن التأسيس كان على يد 5 مكفوفين، ثم انضم إليهم 7 آخرين ليصبح العدد الحالي 15 مكفوفا فضلا عن ممثلين أصحاء.
وعن كيفية الأداء المسرحي، يقول الكناني "البدايات كنا نكتب ونقترح ونمثّل بعروض بسيطة لا تتجاوز 15 إلى 20 دقيقة".
وأشار إلى أن أوّل عمل للفرقة كان مسرحية "مقهى الجواهري"، ثم مسرحية "الصرخة"، والعرضان قدّما على طريقة مسرح الظلام حيث يعتمد على عصب عيون المتفرّجين بشريط أو قماش أسود حتى يعيش المتفرّج العرض المسرحي على السماع فقط، وكان هذا النوع من المسرح يطبق لأول مرّة في العراق.
ويضيف الكناني أن الفرقة استمرت في عرض المسرحيات البسيطة، حيث تم العرض في جامعة كربلاء ومنتدى الشباب الهندية في احتفاليات خاصة بوزارة الصحة، وكذلك في إعدادية الحسين الصناعية، وهي توعوية أكثر منها فنية.
أحد العروض المسرحية لفرقة السراج
جوائز وعروض
ويسترسل الكناني في حديثه بالقول إنه كان لابد من التطوّر والبحث عن مؤلّف ومخرجٍ للعمل مع المكفوفين، فكان التعاون من الكاتب لؤي زهرة الذي كتب مسرحية "أحلام كيشوتية" و"نحن هنا" اللتين لاقتا نجاحا جماهيريا، وتم عرضهما في كربلاء ثم بغداد على خشبة المسرح الوطني، ثم في محافظة بابل على هامش مهرجان بابل الدولي السابع للفنون.
وأضاف "بعد هذا النجاح الكبير كتب لنا لؤي زهرة النصّ الثالث (أوفر بروفة) وهي من إخراج الفنان الدكتور علي الشيباني، وحقّقت نجاحا كبيرًا أيضا وعرضت في مدينة الديوانية (جنوبي البلاد) في المهرجان التجريبي الثاني وحصلت على الجائزة الكبرى وجائزة أفضل عمل، بالمنافسة مع أكثر من 12 فرقة من أكاديميات وفرق فنية من مختلف محافظات العراق".
وأشار الكناني إلى حصول الفرقة على درع الإبداع في مهرجان أيام البصرة المسرحي، وقد وقع الاختيار عليها للاشتراك في المهرجان المسرحي الوطني الذي أقيم في بغداد قبل أسابيع بالتعاون مع الاتحاد العربي للمسرح.
ويرى رئيس الفرقة أن أكبر عائق هو الجانب المادي، حيث يتحمّل أعضاء الفرقة أغلب المصروفات المالية، وتستفيد الفرقة من مساعدة فنيين ومخرجين إلى جانب بعض الدعم المقدم من الحكومة المحلية في كربلاء، وناشد وزارتي الثقافة والعمل والشؤون الاجتماعية والحكومة المحلية في كربلاء دعم الفرقة لكي تواصل نشاطها بعد أن أثبت جدارتها.
وأوضح أن الفرقة يمكن أن تطور أداءها للمشاركة في مهرجانات فنية ليست على مستوى العراق فحسب بل على المستوى العربي والعالمي كذلك.
شهاب: المكفوفون يتمتّعون ببصيرة جميلة ويفهمون الإشارة المسرحية ويحفظون حتى مربّعات المسرح
الاستجابة الإخراجية
قدمت الفرقة 6 أعمال مسرحية بعضها من تأليف وإخراج أعضاء الفرقة، وبعضها من إخراج الفنان عباس شهاب الذي أكد على أن المكفوفين لديهم الموهبة الكبيرة والفطرة الفنية والتحدّي الكبير، وأنه تعامل معهم في مسرحية "نحن هنا"، وهي أوّل مسرحية تقدّم للمكفوفين في العراق بطريقةٍ احترافية، وأوّل مسرحية فيها عنصر نسوي من المكفوفين.
ويرى شهاب أن العمل جعل المكفوفين "يرون كل شيء ونحن لا نرى شيئا في رؤية تنتقد واقعا اجتماعيا سياسيا فاسدا". ولفت إلى إن المكفوفين يتمتّعون ببصيرة جميلة ويفهمون الإشارة المسرحية ويحفظون حتى مربّعات المسرح.
وعن كيفية تجسيدهم واستجابتهم لما يريد إيصاله، أوضح شهاب أنهم يستلمون الصوت كأنه حركة مسرحية، ويحفظون الدور كأنهم يؤدّون دورا في الحياة، ويتحدّث عن الحركة المسرحية بقوله إنها تتم عبر توجيههم الممثلين على اتّقان الإيماءات والحركة، وتحّسس المكان، ومعرفة المسافة بين المكفوفين وبين الجمهور، وتعابير الوجه، والأداء المسرحي الجاد بالاعتماد على الصوت والإلقاء.
من مسرحية أوفر بروفة
ويمضي بالقول إنهم "يتحسّسون الأشياء كاللّون والضوء" ولفت إلى أنه تعامل معهم في جانبين، الأول الفكري الموضوعي، فقد رصد دور المكفوف في المجتمع كمواطن غير مستثنى من نقد ومساءلة العملية السياسية والاجتماعية، وذلك من خلال تسليط الضوء على الفساد الإداري المالي كمرض مستشر في دوائر الدولة.
وقال إن الكفيف رغم إعاقته لم يتأخر عن أداء دوره الوطني في كشف ملفات الفساد، معتبرا ذلك عاملا مساعدا في تثوير الجانب الثاني وهو "الأدائي كونهم اعتبروا أنفسهم جزءا من الحالة" مؤكدا قدرتهم على أداء الأدوار الجادة والكوميدية وهو ما قرّبهم إلى الجمهور الذي يطالب كثيرا بإعادة العروض".