هل تتنبأ أفلام الأبطال الخارقين بتداعي الإمبراطورية الأميركية؟
الفشل السياسي المريع على أرض الواقع هو ما يدفع نحو خلق أبطال خارقين لدعم المعتقدات والحفاظ على الوضع الراهن.
في كافة أفلام الأبطال الخارقين، مثل "كابتن أميركا"، تظهر السياسة الأميركية بشكلها العدواني في شكل فنون مرئية (مواقع التواصل الاجتماعي)
هو دائمًا بطل خارق ينقذ العالم، وهو أيضًا من سلالة معينة، يتمتع عادة ببشرة بيضاء نقية وجسد منحوت وبنية قوية، والأهم من ذلك كله وفوق كل شيء: إنه أميركي مُخلص لوطنه ومستعد لبذل الغالي والنفيس في سبيل انتصار قوى الخير على الشر المحدق بالناس.
هذا هو السلاح الأميركي النقي الذي تواجه به قوى الشر. والأمر سيان، سواء في عالم مارفل السينمائي أو خارجه. بل إن ما يحدث في عالم مارفل ليس سوى امتداد لما يحدث في قاعات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وغيرها من أروقة السياسة، حسب ما يرى محللون ونقاد.
الفن في هذه الحالة ليس سوى أداة دعائية تستخدمها الولايات المتحدة لتجميل وجهها الذي يتداعى ويمضي نحو الزوال. وعلى الرغم من أن فكرة الأفلام الدعائية السياسية قد ترتبط في المخيلة الأميركية بالدول السلطوية، والتي هي بالضرورة روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية أو الدول المعدمة، والتي عادة ما تكون أفريقية تحت حكم ذوي البشرة السوداء، فإنها في الولايات المتحدة صناعة سياسية بامتياز حسبما أورد محمد حسين أحمد المحلل السياسي لموقع سياسات الهندي. كل تلك الدول تعيش تحت حكم مستبد. أما الولايات المتحدة فهي دولة عظمى أخذت على عاتقها حماية قيم الحرية والديمقراطية والسلام والأمن الدوليين.
في السياق نفسه، أوردت آنا بانيرجي، الكاتبة في جريدة "ذا ديلي أيوا" الأميركية، في مقالها عن الدور الدعائي السياسي الذي تلعبه أفلام مارفل، أن البنتاغون تموّل هذه الأفلام التجارية منذ عقود وفقًا للسجلات التي قدمها البروفيسور ستيفن أندرهيل لجامعة مارشال.
على سبيل المثال لا الحصر، موّل البنتاغون، بطريقة مُبطّنة، أفلاما مثل "كابتن أميركا" (Captain America) و"الرجل الحديدي" (Iron Man) عبر تسهيل الوصول لأفضل المعدات والآلات العسكرية المطلوبة أحيانًا في التصوير. في مقابل ذلك، تبرز تلك الأفلام أهمية الدور الأميركي في إنقاذ العالم من الشرور المحدقة به.
التمثيلات الأيديولوجية للأبطال الخارقين
أخذت هوليود أفلام الأبطال الخارقين على محمل الجد منذ عدة عقود لأسباب مختلفة، آخرها أنها أفلام شعبوية أو تحقق مبيعات هائلة في شباك التذاكر. وأولها، وهو السبب الرئيسي، الدور السياسي الفعال الذي تلعبه تلك الأفلام في تشكيل الوعي الجمعي للأميركيين والذي يغطي على حقيقة أن الولايات المتحدة خسرت حرب فيتنام وفشلت في العراق وانسحبت من أفغانستان ولم تستطع القضاء على تنظيم القاعدة أو ما يماثله من حركات مثل بوكو حرام أو تنظيم الدولة الإسلامية.
وتستخدم هوليود في سبيل تحقيق الدور المنوط بها، كأداة تجميلية للتداعي الأميركي المستمر، زمرة من الرسائل التي هدفها تدعيم القيم الرأسمالية المعاصرة للمجتمع الأميركي وسيادة الرجل الأبيض وتحويل "الآخر" إلى مصدر للخطر والشر. ويعبر جيمس موترام، المحلل الثقافي في جريدة ذا ناشونال (The National) الأميركية، عن ذلك بقوله "تقدم أفلام الأبطال الخارقين اليوم صورة جلية للمناخ السياسي المعقد أخلاقيًا".
السياسة العدوانية بوصفها مصدر إلهام
في كافة أفلام الأبطال الخارقين، مثل "كابتن أميركا" أو غير ذلك، تظهر السياسة الأميركية بشكلها العدواني في شكل فنون مرئية. على حد تعبير بانيرجي. فالمنتقمون يتجهون لنيجيريا لمنع إطلاق سلاح بيولوجي خطير سيقضي على البشرية. وفي سبيل ذلك، يتحوّل بلد أجنبي، وهو في هذه الحالة نيجيريا، إلى منطقة صراع ومعارك حامية الوطيس.
والفيلم نفسه يعالج واحدة من أكثر الإشكاليات الأخلاقية إثارة للجدل في السياسات الخارجية الأميركية. وهي مسألة الضحايا من المدنيين والأبرياء. ويمضي الفيلم طارحًا مخرجًا من هذه الإشكالية ألا وهي أن "المجتمع الدولي مضطر لخسارة بعض الأرواح لإنقاذ الكثير من الأرواح الأخرى".
فالمتضررون بحكم وجودهم في منطقة الصراع هم مجرد خسائر جانبية لا قيمة لها في سبيل تحقيق السلام والأمن الدوليين على يد الإمبراطورية الأميركية التي تنجح دائمًا في إنقاذ العالم من المخاطر المحدقة به بسبب روسيا والصين ودول العالم الثالث الذي تمثله غالبًا أمة أفريقية. كل هؤلاء ضحايا لا قيمة لهم في سبيل هدف أسمى. هذا الهدف بدوره لا يستطيع تحقيقه غير البطل الأميركي الخارق.
وبينما تتغاضى وسائل الإعلام الأميركية إلى حد كبير عن هذه القضايا، امتدت السياسات الخارجية للولايات المتحدة، فأثرت في الداخل الأميركي ذاته. ففي حملته الانتخابية الأخيرة، شجع المرشح الجمهوري دونالد ترامب مؤيديه على "التخلص من الحمقى". والحمقى وفقًا له، ليسوا فقط أي متظاهرين مناهضين له، بل حتى المسلمين الذين كان دائم التخويف منهم.
الحروب الخاسرة
في الجزء الثالث من ثلاثية باتمان للكاتب والمخرج كريستوفر نولان، نرى نقدا يمينيا لحركة "احتلوا وول ستريت"، عندما غزا بان الشرير بورصة جوثام، حسبما أورد جيمس موترام في مقاله السابق ذكره. حيث يتم في النهاية تفضيل الديمقراطية الليبرالية على الثورة الصريحة لأنه لا يوجد بديل غير الجوكر "رمز الجنون والفوضى" الذي يجب أن يتم قتاله لإعادة النظام إلى الهياكل الديمقراطية.
وعلى النحو الذي قدمته تلك الأفلام، فإن الولايات المتحدة منوطة بتحقيق السلام العالمي بوصفها "الشرطي/الكابتن" المسؤول عن استقرار وأمن الدول. وإذا كانت سياستها الخارجية يشوبها أي خطأ أو في حاجة لتصحيح ومراجعة في الداخل، فإن الأمر يكون عبر الوسائل الديمقراطية وليس الثورات.
ومع ذلك، لا تتطرق أي من أفلام مارفل أو نولان وغيرها للحقائق على أرض الواقع مهما بدت تلك الحقائق متناقضة كليًا مقارنة بتلك الأفلام. أبسط تلك الحقائق هي أن الولايات المتحدة خسرت 5 حروب كبرى منذ عام 1945، وأن الجيش الأميركي ليس الأفضل ولا الأكثر رعبا في العالم كما يظن معظم الأميركيين بفضل أفلام الأبطال الخارقين.
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، خسرت الولايات المتحدة كل حرب بدأتها وفشلت في كل مرة استخدمت فيها القوة دون سبب عادل، وهذا كله بسبب سلسلة من الرؤساء غير المؤهلين. هذا ما ذكره هارلان أولمان كبير مستشاري المجلس الأطلسي وضابط بحرية سابق شارك في حرب فيتنام، والذي يرى أن الجيش الأميركي لو كان فريقًا رياضيا فإن تقييمه ما كان يتجاوز تقييم أي فريق هابط.
وألّف أولمان نفسه كتابا بعنوان "تشريح الفشل.. لماذا تخسر أميركا كل حرب تبدؤها" (Anatomy of Failure: Why America Loses Every War It Starts)، ويذكر فيه من بين أمثلة عدة أن حرب فيتنام وحدها أدت إلى مقتل أكثر من 58 ألف أميركي وملايين الفيتناميين. والسبب وجهة نظر حمقاء مفادها أن الشيوعية خطر محدق ويجب أن تتوقف عند هذا الحد حتى لا تصل للولايات المتحدة نفسها. ويمضي أولمان مؤكدًا أن الأميركيين إن لم يفهموا أن الخبرة والكفاءة أمران حيويان في عالم السياسة، فإن مستقبل أميركا لن يحمل أي جديد.
وبحسب جيمس موترام فإن "الفشل السياسي المريع على أرض الواقع هو ما يدفع نحو خلق أبطال خارقين لدعم أنظمة معتقداتنا والحفاظ على الوضع الراهن. ربما حان الوقت لتقاعد أولئك الأبطال وأن نعود إلى العالم الحقيقي".