تحسّس خشب "الرَحلة" في أوّل يوم من المدرسة؛ فكلّ ما يراه كان جديدًا، الصور علىٰ الجدران، لون الباب وارتفاعه المبالغ فيه، الوجوه، الجرس، السبّورة السوداء، الطباشير، الممسحة، ترتیب "الرَحلات" في صفوف منتظمة، سلّة المهملات، الحروف المرسومة في لوحات علىٰ الجدران التي لم يبدأ بفكّ رموزها بعد...
"قيام" صاح المراقب بصوت عالٍ..
دخل معلّم الدين مربوعًا بقاطٍ داكن، كان عليه آثار عرق تبخّر وترك حدودًا واضحة تثبت وجوده، شعر أسود فاحم أدار خصلاته من اليسار لليمين؛ ليغطّي صلعة تأبیٰ إلّا أن تسفر عن نفسها، عيون جاحظة ومتفرّسة وغاضبة، شارب كثّ مستنفر بشعر يحاول الخروج من أنف ضخم..
"منو بیكم يصلّي؟"
سألنا وهو يتفرّس في وجوهنا بغضب وتهديد واضحين، رفع بعضنا أیدیهم وأطرق الآخرون برؤوسهم خجلين!
"تعرفون الله شيسوّي يوم القيامة باللي ميصلّي؟" أجابته عيوننا المفتوحة، وهزّة من رؤوسنا أن "لا".
"الله يعلّگكم بچنگال من لسانكم، ويطمسكم ويطلّعكم ببحر کلّه گیر يبقبق من الغليان إلىٰ أن يحترگ جلدكم، بعدين يخلقلکم جلد جديد وهم يطمسكم وللأبد"
ساد صمت مرعب زاده رعبًا عيونه الجاحظة، وابتسامة التشفّي في وجهه.
رجع للبيت، وحکیٰ لأمّه محتميًا بحضنها، داعبت شعره وحكت له عن الجنّة التي تنتظره والله الذي يحميه ويحبّه ويوفّر له الخبز والأمان؛ انفرجت أساريره، وعرف حينها كيف يحبّ إلٰه أمّه، ويكره إلٰه معلّم الدين.