الاستقرار السياسي عنوان بناء الدول، فأخطر ما تمر به دولة هو الفراغ السياسي، الذي يدخلها في فوضى لا تتوقف، بل تضرب كل مفاصلها.
وفي بلد مثل العراق، المثقل بالملفات المتشعبة والقضايا المعقدة، فإن حدوث مثل هذا الأمر من شأنه أن يجرف البلاد إلى منزلقات خطرة قد تودي بالعملية السياسية برمتها، وكاد أن يصبح هذا الخطر واقعا من جراء مقاطعة الانتخابات المرتقبة بعد ما يقارب الشهرين، من قبل بعض التيارات السياسية والحزبية، ولكن عدول هذه التيارات عن قرارها يعيد للعملية الانتخابية زخمها، فالانتخابات تعد من أهم دعائم ترسيخ مفهوم الدولة وسلطة القانون، ومن شأنها إدخال العراق إلى مرحلة جديدة على مستويات هامة:
أولا المستوى الداخلي: فإجراء الانتخابات يضمن تماسك واستمرار الإدارة السياسية في عملها، الأمر الذي يمكن له أن يزيد تماسك الدولة ويحفظ استقرار وعمل المؤسسات، لا سيما المؤسسة العسكرية التي تناضل لاحتواء الشأن الأمني وحصر فوضى السلاح، والعمل وفق مبدأ قائم على أنها الضامن الوحيد لاستقرار البلاد وأمنها، فلو استمرت مقاطعة الانتخابات فإن كل هذه المساعي كانت ستبوء بالفشل، بالإضافة إلى انعكاس ذلك على جميع مناحي الدولة، التي كانت ستتحول إلى إدارات مترهلة وارتجالية إذا ما غابت الإدارة السياسية عنها، وبدلا من مواجهة الثغرات والتصدي للمشكلات، فإن هذه الملفات كانت ستزداد وتتسع كما ونوعا وتعقيدا.
ثانيا المستوى العربي: فحتى ينهض العراق لا بد له من العودة إلى حاضنته العربية، وهذا لا يمكن تحققه دون استقرار سياسي وعملية سياسية تضمن سيادة القانون والالتزام بكل الاتفاقات، التي أبرمت، والاتفاقات التي ما زالت تناقش، بالإضافة إلى الاتفاقات الواجب طرحها، فالعملية الانتخابية هي الإجراء الوحيد القادر على إيصال إدارة سياسية قادرة على اتخاذ القرارات والتعامل مع الملفات العالقة فيما يخص التعاون المشترك والتبادل الاقتصادي بين الدول والتنسيق الأمني، لضمان استقرار المنطقة ككل، كما لا يمكن للدول العربية، التي تبذل قصارى جهدها من أجل إقالة عثرات العراق، أن تتعامل مع كيانات سياسية متناحرة على مناصب سياسية معطلة وخاوية، الأمر الذي يجعل من الانخراط في العملية الانتخابية بوابة لفتح قنوات التعاون المشترك مع الدول العربية.
ثالثا المستوى الدولي: فالعراق عانى وما زال يعاني أوضاعا أمنية متوترة، وأحوالا اقتصادية متدهورة، ولا يمكنه تجاوز كل تلك العقبات دون علاقات متوازنة واستراتيجية مع المجتمع الدولي، لا سيما الدول العظمى، وهذا لن يكون بحال من الأحوال ممكنا لو تم تعطيل الانتخابات، فتلك الدول لا يمكنها المجازفة بإمكاناتها الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية في بلاد تعيش في دائرة الأخطار الأمنية والأوضاع الاقتصادية المتردية، ودون قيادة سياسية قادرة على إدارة دفة البلاد وتنظيم الإدارات والمؤسسات، أو ضمان احترام المصالح المتبادلة أو تهيئة الاستقرار اللازم لمثل تلك المشاريع الاستراتيجية على الأصعدة الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، لذلك نجد المجتمع الدولي برمته يرحب بالاتفاق وقرار التيارات السياسية العراقية بالعدول عن المقاطعة والعودة إلى خوض السباق الانتخابي المرتقب.
هذا كله يجعل من نجاح الانتخابات العراقية سبيلا لبلورة المصالح الوطنية والإقليمية والدولية، على عكس ما يمكن أن ينتج عن التعطيل، فاتخاذ التيارات السياسية قرار المشاركة في العملية الانتخابية خطوة مهمة لتجنيب العراق أزمة الفراغ السياسي، ودفعه نحو مفهوم الدولة، الذي لا يمكن تكريسه دون عملية سياسية ناجحة، كما من شأنه إدخال العراق إلى مرحلة جديدة من الاستقرار وحلحلة القضايا العالقة
المقال بقلم
حسين الشيخ