الإمام السجاد رائد المنبر الحسيني
السيد فاضل علوي ال درويش
لقد أفصح الإمام الحسين عن أهداف حركته الإصلاحية في خطاباته الشريفة، بما لا يدع الشك حول هوية تلك الحركة الرسالية التي تستمد شرعيتها من مكانة سبط الرسول ﷺ والسير على خطاه التغييرية في جانب المعرفة الدينية والتوحيد وبسط مظلة الأخلاق الفاضلة، فالمؤمن في علاقته بالقيم الدينية ليس مجرد عنوان اسمي بل هي فكر وتصرفات تلتزم تعاليم الشريعة الغراء، وهذا ما دعى الإمام الحسين لنهضته المباركة لما رآه من تحريف لقيم الإسلام على المستوى التفكيري والسلوكي، والذي يعني لو لم يقم الإمام بنهضته أن تتلاشى تلك القيم والمضامين من قلوب الناس حتى يأتي اليوم الذي تنتهي فيه الجهود المحمدية لتثبيت وتشييد قيم السماء، فما كان من الإمام الحسين - مستلهما من دعوة جده المصطفى إلى الاستظلال بالفضيلة ومظلة العدالة - إلا الدعوة إلى الرجوع إلى مرتكزات الدين الحنيف، والوقوف بكل صلابة وإباء أمام أي عدوان وظلم وتحريف كجده ﷺ.
ولقد انتهت معركة الطف بانتصار القيم والفضائل على آلة البطش والعدوان والتلون والخداع، نعم انتهت باستشهاد الإمام الحسين بتلك الصورة المفجعة التي جعلت عاشوراء العنوان الأبرز للعدوان على عترة رسول الله ﷺ بكل ما فيها من تفاصيل مدمية، ولقد شاءت الإرادة والتخطيط الإلهي أن تجعل شهادة الإمام الحسين وأهدافه المحطة البارزة في تاريخ البشرية، وتقديمها كقدوة للأجيال المتلاحقة لتثير فيهم القيم والهمة وتحفيز الإرادات؛ لتصنع بذلك شخصية المؤمن الرسالي الذي يحمل همه تهذيب نفسه والعمل بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمعه، وهذه الأهداف الحسينية ما كانت تتحقق بالشهادة لوحدها، بل تحتاج إلى لسان مبين يفصح عن قيمها ويدافع ويكشف تلك الواقعة المفجعة وقد تصدى لهذا الدور الإمام السجاد وعمته الحوراء زينب ، وهذا الدور الإعلامي لا يقل أهمية عن الشهادة المباركة إذ كانت الصدى الحركي والمنطقي الذي يفصح عن حقيقة تلك الفاجعة، ولولا هذا الدور لسعى الإعلام المزيف لإخفاء تلك الحقائق المثيرة لنفوس الناس والمفهمة لهم بحقائق الأمور، فجانب المأساة لم يقتصر على قتل سبط الرسول ومن معه - على عظمها - بل سبقتها وتلتها جرائم مفجعة وعلى رأسها سبي بنات الرسالة من بلد إلى بلد بغرض الفرجة والشماتة عليهم، في فعل دنيء يكشف عن الطبيعة الإجرامية والخسة السلوكية التي كان عليها هؤلاء الذئاب البشرية، فكان لسان الإمام السجاد المفصح عن النهضة الحسينية وأهدافها ومآلاتها، وقد عمل على ترسيخ فاجعة الطف في قلوب وفكر الأحرار لتبقى خالدة وحية في وجدانهم وتكسبهم الوعي والبصيرة متى ما تفاعلوا معها وتأملوا فيها.
فالحسين عبرة ودروس نستلهمها ونستقيها من هذه النهضة المباركة، وعبرة أي تلك الدمعة المتفاعلة مع فاجعة الطف والقلوب المتألمة على ما جرى عليهم، ولقد استطاع الإمام السجاد أن يؤسس منبر الوعي وترسيخ القيم الدينية، من خلال إثارة واقعة الطف وما جرى فيها وبعدها على أهل بيت الرسالة.
وهذا المنبر التعليمي والتثقيفي مسيرة قادها الإمام السجاد وسيبقى حيا وفاعلا ومؤثرا، ما كان الخطيب يحمل هما رساليا وتبليغيا يسعى من خلاله إلى بث المعارف الدينية والقرآنية، ويعمل جاهدا على ترسيخ المفاهيم الأخلاقية جاعلا سيرة أولياء الله تعالى نبراسا يهتدى بنهجهم، فتلك المحاضرات التوعوية والتربوية ومضات تنير الطريق للشباب والفتيات، وينبغي أن يرتقي الخطاب إلى مستوى وعي وثقافة الحاضرين والمستمعين.