الإمام السجاد (ع)... والحركة العلمية
رضي منصور العساف 2 / 9 / 2021م - 1:55 م
من الجوانب المهمة في حياة الإمام زين العابدين اهتمامه بالجانب العلمي، ونشر الثقافة الإسلامية الأصيلة وسط تلك الظروف الصعبة التي عاشها الإمام وعاشتها الأمة بعد شهادة الإمام الحسين .
ولذلك اتخذ الإمام السجاد من المسجد النبوي الشريف منطلقاً لنشر تعاليم الإسلام، وخلق نواة مدرسته العلمية والتي تخرج منها ثلة من المحدثين والفقهاء.
صناعة الكفاءات العلميةكان الإمام السجاد يشتري العبيد والإماء ولكن لا يبقي أحدهم عنده أكثر من سنة واحدة، وخلال هذه السنة كان الإمام يعاملهم معاملة إنسانية مثالية، مما يعزز في نفوسهم الأخلاق الكريم ويحبب إليهم الإسلام وأهل البيت .
كما كان الإمام يعلم الرقيق أحكام الدين ويغذيهم بالمعارف الإسلامية، بحيث يتخرج الواحد منهم محصناً بالمعلومات التي تفيده في حياته ويدفع بها الشبهات ولا ينحرف عن الإسلام الصحيح
إن هذا الدور الذي قام به الإمام هو دورٌ واعي بمتطلبات المرحلة وتخطيط استراتيجي لإيجاد حركة وتيار فكري أصيل في وسط الأمة، كما استطاع الإمام أن ينشر هؤلاء الكفاءات العلمية في أرجاء المعمورة ليكون مبلغين للفكر المحمدي الأصيل ونقله للأجيال اللاحقة.
نموذج مشرف فلقدتخرج من مدرسة الإمام زين العابدين العديد من الفقهاء والمفسرين، منهم أبان بن تغلب بن رباح، أبو سعيد البكري الجريري: كوفيّ المولد والنشأة، وكان نابهاً ومقدّماً في كلّ فن، من قرآن وحديث وأدب ولغة ونحو، وتتلمذ عند الأئمّة الثلاثة: السجاد والباقر والصادق ، وكان يقول له الإمام الباقر : «اجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس فإنّي أُحب أن يُرى في شيعتي مثلك» وألّف أبان في تفسير غريب القرآن وفي فضائل أهل البيت كما روى ما يناهز ثلاثين ألف حديث عن أئمّته .
الإمام السجاد والتنمية العلمية1» تشجيع طلب العلم: فقد كان يشجع أفراد الأمة على طلب العلم، ويذكر تلك المكانة العالية التي يقف عليه طالب العلم، فقد رُوي في مكارم أخلاق الإمام علي بن الحسين صلوات الله عليه: أنه كان إذا جاءه طالب علم قال مرحبا بوصية رسول الله ﷺ ثم يقول: إن طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجله على رطب ولا يابس من الأرض إلا سبحت له إلى الأرضين السابعة .
كما كان يزرع في نفوس الشباب الهمة والطموح في طلب العلم، يقول الإمام محمد الباقر : كان أبي زين العابدين إذا نظر إلى الشباب الذين يطلبون العلم أدناهم اليه وقال: مرحبا بكم أنتم ودائع العلم، ويوشك إذ أنتم صغار قوم أن تكونوا كبار آخرين .
2» الاهتمام بالمعلم فهو صانع الفكر، وصانع الحضارة، وله الأيدي البيضاء على أفراد المجتمع، لذلك وجب توقيره وتعظيمه، وحسن الاستماع إليه، وإعطاءه المكانة التي تليق بعلمه وفكره.
ولذا خصص الإمام السجاد حقا من رسالة الحقوق يتحدث فيه عن المعلم فيقول:
«وحق سائسك بالتعلم، التعظيم له، والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك ولا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدت في مجلسه أحدا، ولا تغتاب عنده أحدا، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه، ولا تجالس عدوه، ولا تعادي له وليا، فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه عز وجل لا للناس» .
3» نشر العلم وعدم كتمانه، فمن يمتلك معلومة ومعرفة فإنه مسئول عن نشرها في ربوع مجتمعه، ليعيش المجتمع مستفيداً من هذه المعلومات.
إن نشر العلم يعني أن نصنع مجتمعاً واعياً، ناهضاً، ولذلك يقول الإمام السجاد «عليه في رسالة الحقوق: «وأما حق رعيتك بالعلم: فأن تعلم أن الله قد جعلك لهم خازنا فيما آتاك من العلم وولاك من خزانة الحكمة فإن أحسنت فيما ولاك الله من ذلك وقمت به لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده، الصابر المحتسب، الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه، كنت راشدا، وكنت لذلك آملا معتقدا، وإلا كنت له خائنا ولخلقه ظالما»