فلورنس نايتنغيل في مستشفى الثكنة في سكوتاري (غيتي)
سيطر الرجل عبر التاريخ على مختلف الاختصاصات الطبية، ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة، منها التمييز الاجتماعي بين الجنسين، وحرمان المرأة من ممارسة المهنة والالتحاق بكليات الطب، وقد وصل الأمر في الحضارة اليونانية إلى اعتبار ممارسة المرأة للطب جريمة يُعاقب عليها بالإعدام.
في تقرير نشرته مجلة "نيوزويك" (Newsweek) الأميركية، تقول الكاتبة إليزابيث جاكسون إنه بالرغم من كل هذه الصعوبات والعراقيل، فقد تمكنت نساء كثيرات من التميز في مختلف المجالات الطبية والقيام بعدة اكتشافات رائدة وبمساهمات كبيرة في عالم الطب.
وتسلط الكاتبة الضوء في هذا التقرير على 15 امرأة تركن بصمات واضحة في عالم الطب قديما وحديثا.
  • أغنوديس (القرن الرابع قبل الميلاد)

يُعتقد أن أغنوديس هي أول طبيبة في العالم، وغالبًا ما يُنظر إلى قصتها على أنها أسطورة. عاشت هذه القابلة والطبيبة في أثينا خلال القرن الرابع قبل الميلاد، وأصبحت مهتمة بالطب عندما لاحظت وفاة العديد من النساء أثناء الولادة.
كانت ممارسة القِبالة جريمة يُعاقَب عليها بالإعدام في عصرها، فقصت شعرها وتنكرت في زي رجل لتعلم الطب. وبعد أن اكتسبت المهارات الطبية اللازمة لخدمة النساء أثناء الولادة، كانت مطلوبة للغاية لدرجة أن الرجال في أثينا اعتقدوا أنها كانت تغوي زوجاتهم.
حُكم عليها بالإعدام في نهاية المطاف عندما تم الكشف عن سرها، ولكن بعد اندلاع احتجاجات على النظام الحاكم، تم تغيير القانون وسُمح للنساء بممارسة الطب.
  • ماري كوري (1867- 1934)

تُعرف ماري كوري في المقام الأول بأنها امرأة رائدة في مجالي الفيزياء والكيمياء، لكن اكتشافاتها غيّرت وجه الطب أيضا.
كانت كوري أول امرأة تحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1903، مع زوجها بيير كوري، وعالم آخر شاركهما في اكتشاف النشاط الإشعاعي. كما حصلت على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1911 بعد اكتشافها عنصري البولونيوم والراديوم عام 1898.
كان لتلك الاكتشافات تأثير كبير في مجال الطب، حيث سمح الراديوم بتطوير الأشعة السينية، والتي ساعدت الأطباء في تشخيص كسور العظام والأمراض الخطيرة في الأعضاء الداخلية.



اكتشافات ماري كوري غيرت وجه الطب (مواقع التواصل)
  • فلورنس نايتنغيل (1820-1910)

تعتبر البريطانية فلورنس نايتنغيل على نطاق واسع مبتكرة علم التمريض الحديث. حصلت نايتنغيل على خبرة واسعة في التمريض خلال حرب القرم في خمسينيات القرن الـ19، وواجهت ظروفًا مروعة في مستشفيات إسطنبول حين كانت تعالج الجنود البريطانيين، حيث لاحظت أن الكثير منهم يموتون بسبب قلة النظافة في المستشفيات وليس الإصابات التي يتعرضون لها في المعارك.
جعلها ذلك تركز على تحويل المستشفى إلى مكان نظيف وملائم للعلاج، ثم نقلت هذه التقنيات إلى لندن بعد الحرب، وأرست معظم قواعد التمريض التي ما تزال تُمارس حتى اليوم.
  • إليزابيث بلاكويل (1821-1910)

كانت الدكتورة إليزابيث بلاكويل أول امرأة تحصل على شهادة طبية في الولايات المتحدة، وقد قررت دراسة الطب بعد أن أخبرتها إحدى صديقاتها أثناء الاحتضار أنها تعتقد بأنه كان بإمكانها الحصول على رعاية طبية أفضل من امرأة وليس من رجل.
وجدت بلاكويل صعوبة في تحقيق طموحها، حيث رفضتها أكثر من 10 كليات طبية، وطلبت منها إحدى الكليات أن تتنكر في هيئة رجل حتى تتمكن من الدراسة، لكنها رفضت.
في عام 1849، تخرجت بلاكويل من كلية جنيف للطب في نيويورك، وأنشأت لاحقًا مستشفى في نيويورك يهدف إلى مساعدة النساء والفقراء.
  • ريبيكا لي كرومبلر (1831-1895)

كانت الدكتورة ريبيكا لي كرومبلر أول امرأة سوداء في الولايات المتحدة تحصل على شهادة في الطب، وقد عملت كممرضة لمدة 8 سنوات قبل الالتحاق بكلية نيو إنغلاند الطبية للإناث في بوسطن، وتخرجت منها عام 1864.
بعد الحرب الأهلية، انتقلت كرومبلر إلى الجنوب لرعاية الأشخاص المستعبدين، وبعد عودتها إلى بوسطن وظفت تجربتها وتركت بصمة واضحة رغم العنصرية والتمييز الجنسي اللذين تعرضت لهما، وقد نشرت عام 1883 كتابها المرجعي في عالم الطب "كتاب في الخطابات الطبية" (A Book of Medical Discourses).
  • مارغريت سانغر (1879-1966)

مهدت مارغريت سانغر الطريق لوسائل تحديد النسل الحديثة. في أوائل القرن الـ20، لم تكن موانع الحمل متاحة على نطاق واسع واعتُبرت هذه الممارسة غير أخلاقية. أكملت سانغر تعليمها في التمريض عام 1902، وانتقلت في 1910 إلى مدينة نيويورك لتصبح ناشطة في مجال تحديد النسل، وهي القضية التي عملت من أجلها بقية حياتها.
افتتحت سانغر بعضًا من أوائل عيادات تحديد النسل في الولايات المتحدة في عشرينيات القرن الماضي، وساعدت في تطوير أولى موانع الحمل الفموية في العالم عام 1960، قبل 6 سنوات من وفاتها عن 86 عامًا.



مارغريت سانغر مهّدت الطريق لوسائل تحديد النسل الحديثة. في أوائل القرن الـ20 (مكتبة الكونغرس)
  • جيرترود إليون (1918-1999)

جيرترود إليون هي عالمة كيمياء حيوية وصيدلانية حائزة على جائزة نوبل عام 1988. اختارت إليون دراسة الطب بعد أن شاهدت جدها يموت بمرض السرطان عندما كانت تبلغ من العمر 15 عامًا.
كانت الحرب العالمية الثانية قد أدت إلى تقليص عدد الكيميائيين الذكور القادرين على العمل في الولايات المتحدة، وتمكنت إليون من خلال كفاءتها ومهاراتها من اقتحام هذا المجال وطورت عقاقير وعلاجات جديدة لمرضى سرطان الدم، وأولئك الذين يحتاجون إلى زراعة الأعضاء، وأدوية مضادة للفيروسات، وأسست نموذجًا منهجيا رائدا في مجال تطوير الأدوية ما يزال يُعتمد على نطاق واسع حتى اليوم.
  • ماري ووكر (1832-1919)

في عام 1863، أصبحت الدكتورة ماري ووكر أول امرأة تعمل في الجراحة بالجيش الأميركي خلال الحرب الأهلية. حصلت على شهادتها في الطب عام 1855 من جامعة سيراكيوز، وكان والداها من دعاة إلغاء عقوبة الإعدام، وشجعاها على ارتداء "البنطلونات" في سن مبكرة وعلى فعل أي شيء يمكن أن يفعله الرجال.
لم تنجح محاولتها الأولى في العمل كجرّاحة مع الجيش لأنها كانت امرأة، لذلك تطوعت للعمل كممرضة لرعاية الجرحى في الخطوط الأمامية، قبل أن تتم الموافقة على طلبها وتصبح جراحًا في الجيش. وقد حصلت ووكر على وسام الحرية الرئاسي بعد الحرب لعملها في مجال رعاية الجرحى.
  • سارة جوزفين بيكر (1873-1945)

من بين الإنجازات العديدة للدكتورة سارة جوزفين بيكر خفض معدل وفيات الأطفال في مدينة نيويورك. في أوائل القرن الـ20، تم تعيينها كأول رئيسة لمكتب صحة الطفل بالمدينة، حيث وضعت برامج رائدة في مجال الرعاية الوقائية والنظافة الأساسية. في عام 1907، كان لبيكر دور محوري في الكشف عن الطاهية ماري مالون المعروفة باسم "ماري تيفوئيد"، وهي طباخة مصابة بالتيفوئيد تسببت بانتشار المرض بين عديد العائلات.
  • ماري إنجل بنينغتون (1872-1952)

لأنها كانت امرأة، لم تحصل ماري إنجل بنينغتون على شهادتها الجامعية بعد إنهاء دراستها في جامعة بنسلفانيا عام 1892، وبدلاً من ذلك حصلت على شهادة الكفاءة في الكيمياء. ولم يمنعها ذلك من الحصول على درجة الدكتوراه في الكيمياء من الجامعة ذاتها بعد 3 سنوات. تخصصت بنينغتون في علم البكتيريا ولعبت دورًا محوريًا في التوعية بمخاطر الملوثات في الطعام.
أثناء عملها مع وزارة الزراعة الأميركية عام 1906، ساعدت في وضع قانون الغذاء والدواء النقي استجابةً لقلق المستهلكين بشأن الظروف غير الصحية في مصانع معالجة الأغذية، وكانت مسؤولة عن مبادرات معايير تبريد الحليب والألبان، وقضت الفترة الأخيرة من حياتها المهنية كخبيرة في التبريد المنزلي والتعامل الآمن مع الأطعمة الطازجة والمجمدة.
  • جيرتي كوري (1896-1957)

في عام 1920، حصلت الدكتورة جيرتي كوري على شهادتها في الطب من الجامعة الألمانية في براغ، وهاجرت إلى الولايات المتحدة مع زوجها الدكتور كارل كوري بعد عامين من حصولها على الدكتوراه. حصل الزوجان على الجنسية الأميركية عام 1928 وعملا معًا لسنوات في مجال الأبحاث الطبية.
في عام 1947، تم تعيين كوري أستاذًا في الكيمياء الحيوية بكلية الطب بجامعة سانت لويس بواشنطن، وفي العام ذاته تقاسمت مع زوجها وعالم وظائف الأعضاء الأرجنتيني برناردو هوساي جائزة نوبل للطب لاكتشافهم مسار التحول التحفيزي للغليكوجين. ونشرت كوري خلال مسيرتها المهنية العديد من الأوراق البحثية في المجلات والدوريات العلمية المرموقة.
  • فيرجينيا أبغار (1909-1974)

في عام 1952، ابتكرت الدكتورة فيرجينيا أبغار "مقياس أبغار"، وهو وسيلة سهلة وسريعة لتقييم الحالة الصحية للطفل خلال الدقائق الأولى بعد الولادة. شكّل ذلك المقياس خطوة رائدة في مجال صحة الأطفال حديثي الولادة وما يزال يُستخدم حتى اليوم.
كانت أبغار تخطط في البداية لتصبح جراحًا، لكنها تخصصت في النهاية في مجال التخدير، وقد أصبحت عام 1949 أول امرأة تدرّس بكلية الطب والجراحة في جامعة كولومبيا، عندما تحوّلت أبحاث التخدير إلى قسم أكاديمي مستقل.



فيرجينيا أبغار ابتكرت "مقياس أبغار"، لتقييم الحالة الصحية للطفل خلال الدقائق الأولى بعد الولادة (مواقع التواصل)
  • أنتونيا نوفيلو (1944)

في عام 1990، أصبحت الدكتورة نوفيلو أول امرأة تشغل منصب كبير الأطباء في الولايات المتحدة. تخصصت نوفيلو في طب الأطفال والصحة العامة، وكانت قد شغلت منصبًا رفيعًا في المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية قبل أن تتولى منصب كبير الأطباء. نبع اهتمامها بالطب من تجربتها الشخصية عندما كانت طفلة، حيث دخلت إلى المستشفى مرات عديدة في ظروف كشفت عنها في وقت لاحق من حياتها.
  • روزاليند فرانكلين (1920-1958)

لعبت روزاليند فرانكلين من خلال أبحاثها دورا بارزا في تطور فهم الحمض النووي. بدأ اهتمامها بالطب في ثلاثينيات القرن الماضي عندما كانت في سن المراهقة، وقد تحدّت رغبة عائلتها وحصلت على شهادة في الطب من جامعة كامبريدج عام 1941.
اكتشفت فرانكلين البنية الحلزونية المزدوجة للحمض النووي، وهو اكتشاف كانت له لاحقا تأثيرات علمية وطبية هائلة، وقد توفيت عام 1958 في سن الـ37.
  • فرانسواز بار سينوسي (1947)

تُعرف الدكتورة سينوسي -الأستاذ الفخري بمعهد باستور والمدير الفخري للبحوث في المعهد الوطني الفرنسي للصحة والبحوث الطبية- بمساهمتها في اكتشاف فيروس نقص المناعة البشرية المسبب للإيدز عام 1983، وقد ساعد هذا الاكتشاف ملايين مرضى الإيدز على العيش حياة أطول وأكثر صحة، ونالت بفضله جائزة نوبل للطب عام 2008، وقد ألفت كتبًا ومقالات كثيرة حول هذا الموضوع.