في العوامية.. رحلة من الفرشاة إلى القصبة.. نافع تحيفاء التحق بـ عمله كرسام والصدفة حولته إلى خطاط
بواسطة : سناء آل حسين -
30 أغسطس، 2021
تنقلت أصابعه بين الفرشاة والقصبة، تارة تتلطخ يداه بألوان لوحاته التشكيلية، وتارةً أخرى يعلق باقي حبر قصبته في كفيه، وبين ورقة تحمل خطوطًا تشكل انعكاسًا لوجوه أشخاص، أو ملامح خيول عربية أصيلة، ستجد لوحةً أخرى كتبت بأحرف رشيقة، ورغم أن الفنان نافع مهدي تحيفاء، يحمل بكالوريوس تربية فنية بكامل رغبته وإرادته، ورغم أن الفن التشكيلي كان قراره واختياره، إلا أنه عُرف بين أبناء القطيف، بل بين أبناء الوطن كـ”خطاط”، رغم أن خطوته الأولى في عالم الخط جاءت بالصدفة، إلا أنها الصدفة التي كانت خيرًا من ألف ميعاد، كما يقال.
بين دِهان أبيه وخط أخيه
حكاية ابن العوامية مع الخط بدأت منذ طفولته، وتحديدًا وهو في عمر السابعة، حين كان جمال خط أخيه الأكبر علي يبهره جدًا، ولأن الجينات الوراثية تلعب دورًا غير بسيط في الميول الفنية والاستعداد للتعلم والتطور -حسب وصفه-، فقد كان أبوه يعمل كـ(دهّان) في شركة أرامكو وكان أخوه خطاطًا بميزان زمانه.
صدفة البداية
أما بداية ممارسته للخط فقد لعبت الصدفة فيها دورًا رئيسًا، بعد أن التحق بإحدى الشركات العاملة في مطار الظهران عام 1407هـ، بصفته رسامًا، إلا أنه فوجئ بحاجتهم إلى خطاط، مما اضطره إلى أن يعلّم نفسه الخط بنفسه كي يكون كما يحتاجون.
يقول لـ«القطيف اليوم»: “بدأ حبي للخط صغيرًا، ثم عملت على تطوير مقدرتي فيه عندما احتجت للوظيفة، وكانت أولى اللوحات الاحترافية التي كتبتها هي لوحة حملت عبارة “حي النهضة”، عندما كنت أعمل خطاطًا في إحدى الشركات العاملة في مطار الظهران الدولي أيام زمان”.
وعن قصة اللوحة قال: “تقدمت لتلك الشركة كرسام لا كخطاط، لكنهم أرادوا العكس، وفعلًا أخذت أعلّم نفسي الخط كي لا يستغنون عني وأُفْصَل من الشركة، واعتمدت في تعليم نفسي الخط على أمرين اثنين، عنادي الذي وُلد معي، وكراسة الخط (قواعد الخط العربي؛ للخطاط العراقي الكبير هاشم البغدادي)، والتي أهدانيها وله مني العرفان والشكر الجزيل زوج أختي المرحوم حسن رضي العبادي”.
من أقدام الدجاج إلى.. فنان
يشبّه تحيفاء خطه قبل تلك الكراسة بـ آثار أقدام الدجاج في الأرض؛ وذلك لسوء خطه.
ويواصل حديثه عن لوحته قائلًا: “كان يعمل قبلي في الشركة الخطاط الفذ ومدير إحدى مدارس قاعدة الملك عبدالعزيز الجوية بالظهران المرحوم عبدالله الشدي أخو الفنان المبدع بكر الشدي، وكان الأستاذ عبدالله متعودًا على خطي السيئ، إلا أنني بعد التدريب فاجأته بتلك اللوحة، وقد أخبرني زميلي (الفلبيني توتو) أن الأستاذ عبدالله سأله أكثر من مرة إن كان متأكدًا أنني أنا من كتب تلك اللوحة”.
خطاط.. معلمه “هو”
يؤكد تحيفاء أن تعلمه للخط كان تعلمًا ذاتيًا، ولم يشرف أحد على تعليمه، إلا أنه استند على بعض النصائح في مراعاة القواعد للخط.
وعن أنواع الخطوط الأقرب لنفسه قال: “أحب خط الثلث لقدرته على التشكل المرن مع الحفاظ على فخامته، أما عن الأسس التي أتبعها عند اختيار عبارة ما لكتابتها فهي ذاتها لجميع الخطاطين من جمال حروف العبارة في اتصالها وتكوينها”.
توقيع الآمدي
برع تحيفاء في مجاله كخطاط، وحكى إحدى الحكايات العالقة في ذاكرته حول براعته في الخط، قائلًا: “أتذكر حكاية مع أخي وصديقي الغالي الفنان والخطاط الكبير (حسن الزاهر)، حيث كنت قد كتبت البسملة بخط الثلث، ووقّعتها بتوقيع الخطاط الكبير التركي حامد الآمدي، في محاولة مني للفوز بإعجابه، وقد أشاد بها وبكاتبها، إلا أنه أخبرني فيما بعد أنه عرف أنها من كتابتي حيث كان الفرق واضحًا جدًا بين الكاتبين”.
بلا مناصب
التحق الخطاط نافع بالجمعية السعودية للخط العربي، وقبلها التحق بجماعة الخط العربي بالقطيف، ورغم أنه أحد المؤسسين لهما وله شرف الإشراف على أغلب الخطاطين الحاليين سواء بالتدريب التقليدي أو إسداء الملاحظات -حسب قوله-، كما أن علاقته بالخط تعدت الـ30 عامًا إلا أنه لم يتقلد أي منصب لا في الجمعية ولا في الجماعة.
مشاركتان يتيمتان
مشاركات تحيفاء في مسابقات الخط قليلة جدًا، بل إنها لا تكاد تذكر مقارنةً بتاريخه كخطاط، فقد شارك مشاركتين فقط؛ وقد كان منصفًا في مشاركتيه بين المحلية والدولية، وكانت المسابقة الأولى محلية عندما كان يدرس في جامعة الملك سعود وقد فاز بالمركز الأول في خطي الثلث والنسخ، وكانت الجائزة التي حصل عليها مبلغًا ماليًا قدره 2000 ريال، أما المسابقة الثانية فكانت مسابقة دولية وهي مسابقة (أرسيكا) بتركيا.
مصحف لم يكتمل
قبل أعوام شرع الخطاط نافع في كتابة القرآن الكريم، إلا أن ذلك المصحف لم يرَ النور، يوضح ذلك بقوله: “للأسف لم يكتمل ذلك المصحف لظروف ألمّت بي منعتني من ذلك، لكني كتبت بعض الآيات”.
ويرجع تحيفاء عمد بعض الخطاطين إلى كتابة الآيات القرآنية أو العبارات الإسلامية بصورة أكثر من غيرها من العبارات الأدبية أو الشعرية أو حتى الأمثال وغيرها إلى أنها كلام الله الذي هو أعظم الكلام وأقدسه أولًا، وثانيًا لأن العبارات الإسلامية يبقى لها النصيب الأكبر من القبول لدى غالبية الناس، ومع ذلك فإنه لا يجد الثقافة اللغوية والنحوية سلاحًا ضروريًا بين يدي الخطاط مثلها مثل القصبة والمحبرة، مستدلًا بأن بعض الأساتذة الكبار في الخط لا يعرف بعضهم اللغة من أصلها -حسب وصفه-.
وحلم لم يتحقق
في عام 2005 تمنى تحيفاء إقامة نصب جمالي من أعمال فناني القطيف، ومضى عقد ونصف العقد ولم يولد هذا النصب، وهو يرجع ذلك إلى “الخطاط والمسؤول” – حسب قوله.
بين الهواة والخطاطين
قد يلتفت المهتمون بالخط العربي إلى ظهور العديد من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي لهواة يمتلكون خطًا جميلًا أو مرتّبًا، في السنوات الأخيرة، ولربما قد يتهم أولئك الهواة بسرقة المتابعين من الخطاط الحقيقي، وحول رأي تحيفاء في ذلك، قال: “ربما حصل ذلك بسبب ما للوسائل الاتصالية الحديثة من بريق ومتابعة، ولكن يبقى لاستخدام الخطاط الحقيقي التقليدي نصيبه من الإعجاب وخاصة إذا أخذ بتلك الوسائل”.
وبالنسبة لتفاعل أبناء المجتمع مع الأعمال الخطية، كبقية الفنون، أوضح ذلك بقوله: “قبول الأعمال الخطية في القطيف جيد إلا أن المشكلة تكمن في قلة اقتناء أعمال الخط من قبل المستطيعين لذلك”.
غياب إعلامي
تضم القطيف الكثير من الموهوبين في الخط من أبنائها، وقد حاز أغلبهم على جوائز دولية متعددة، كما أثبتوا وجودهم كفنانين في مجالهم بين خطاطي العالم، إلا أن الضوء الإعلامي يبدو بعيدًا عنهم نوعًا ما، وعن سؤالنا حول ما إذا كان الضوء الإعلامي ضعيفًا حقًا أم أن الخطاطين هم من يتحاشونه؟ أجاب قائلًا: “الضوء الإعلامي ضعيف ولا يوجد اهتمام من قبل بعض المسؤلين من جهة، ومن جهة أخرى يساهم الخطاطون في اختفائهم عن الساحة الإعلامية وتحاشيها لسبب أو لآخر”.