الرئيس الفرنسي خلال جولته بمدينة الموصل العراقية
جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مدينة الموصل العراقية أعادت الأمل لأهالي المدينة المنكوبة في قضية إعادة الإعمار والتعايش السلمي.
المواطن سلوان صالح، من أهالي الموصل العراقية، والذي يعيش عند حي قريب من موقع كنيسة "سيدة الساعة"، التي زارها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الأحد، عبر عن" شعور لا يوصف جراء تلك الزيارة وهو يرى مدينته في عيون عالمية".
فـ"صالح" كان على مقربة من وقائع زيارة ماكرون، إذ سمح له ولأفراد من المنطقة بمتابعة الوفد الفرنسي وهو يتجول ما بين "حوش البيعة" ومسجد النوري الكبير.
يعتقد صالح، الذي شارف على العقد الخمسيني، أن وصول رئيس دولة عظمى حسب قوله، للاطلاع على أحوال المدينة المنكوبة بعد سنوات من التحرير، ستكون لها انعكاسات كبيرة على مستوى التعايش المجتمعي والإعمار الذي تعطل كثيراً.
ويضيف صالح، الذي يعيش في منزل ما تزال آثار الحرب تضرب واجهته وأسس جدرانه الخارجية، أنه "اليأس من الشفاء هو استسلام للموت.. ونحن لا نريد أن نفقد الأمل في فرص تعافي مدننا من دمار داعش".
وتعد زيارة الرئيس الفرنسي هي الأولى من نوعها، لمدينة الموصل بعد سبع سنوات ما بين احتلال وتحرير كلفا البلاد كثيراً.
ومدينة الموصل ومركزها محافظة نينوى، ثاني أكبر المدن العراقية في مساحتها الجغرافية وعدد ساكنيها وكذلك واحدة من أهم المناطق المكتنزة بالقدم والآثار والتاريخ.
في هذه الزيارة التي وصُفت بـ"الحدث الكبير"، وصف ماكرون وهو يتجول بين حطام الكنيسة الأكبر في الموصل ومسجد النوري الكبير، واللذين نسفهما تنظيم داعش، المدينة المنكوبة بـ"الصابرة الصامدة".
النحات الشاب نينوس ثابت، يسكن محافظة نينوى، يصف زيارة ماكرون إلى الموصل بأنها "ضوء على ظلام دامس".
ويؤكد نينوس، الذي ينتمي للطائفة المسيحية، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الرئيس الفرنسي اختار أماكن مهمة خلال زيارته إلى المدينة القديمة"، مؤكدا أن "الجولة دليل على ترسيخ التعايش بين الطوائف المختلفة".
وشهدت مدينة الموصل في مارس/آذار، زيارة تاريخية لقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، تجول خلالها بين مناطق عدة وأقام قداساً في حوش البيعة الذي يضم مجموعة كنائس بينها "سيدة الساعة".
ويلفت الشاب نينوس ثابت، يعمل بمهنة النحاتة، إلى أن زيارة البابا فرنسيس وبعدها ماكرون، "أعطت لأبناء ديانته جرعة أمل كبيرة وشجعت الذين هاجروا المدينة للتفكير بالعودة ونسيان الجراح".
وبسبب الظروف غير المستقرة التي شهدتها الموصل ما بعد عام 2003، وما ترافق معها من وحشية داعش، هاجر أغلب الأقباط الذي يسكنون المدينة وأطراف المحافظة بينها الحمدانية وسهل نينوى.
ورغم مضي قرابة الـ4 سنوات على تحرير المدينة من سيطرة التنظيم الإرهابي، إلا أن أطلال الحرب وأكوام الركام ما زالت تجهض محاولات العيش وأسباب فرص الحياة.
ورغم وجود جهود حكومية وحملات خدمية تطلقها السلطات المحلية بين الحين والآخر لإعادة الروح لأغلب مرافق البنى التحتية التي تدمرت جراء اجتياح داعش وعمليات التحرير، لكن الدمار والخراب يعلو وجه المدينة بحسب مراقبين.
ومن جانبه يقول الإعلامي الموصلي محمود الجماس إن "أبناء المدينة على وجه الخصوص ونينوى بشكل عام أصيبوا بخيبة أمل جراء الوعود الحكومية بإعادة إعمار المناطق المحررة".
ويستشهد الجماس بحادثة قريبة لم يصدقها أبناء الموصل، قائلا:" لم يصدقوا إعلان الحكومة المحلية عن إطلاق حملة لتنظئف الشوارع والأرصفة في الساحل الأيسر من المدينة، إلا حين شاهدوا ذلك أرض الواقع".
وكانت وزارة التخطيط العراقية كشفت قبل نحو عامين أن الكلفة الإجمالية لإعادة إعمار المدن المحررة التي سيطر عليها تنظيم داعش تتجاوز الـ100 مليار دولار.
وقبلها كانت الكويت استضافت مؤتمراً للدول المانحة، سعت من خلاله تقديم الدعم المالي واللوجستي إلى العراق.
وتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في طليعة الدولة التي تقدمت في المشاركة على أرض الواقع لرفع آثار الحرب وإعادة إعمار المعالم المهمة في مدينة الموصل بالتعاون والتنسيق مع منظمة اليونسكو الدولية.
وفي شأن تلك الزيارة، وانعكاسها على واقع المدينة المهدمة، يؤكد الجماسي أن مجيء ماكرون يمثل "عهداً جديداً بإخراج الموصل من محيطها المحلي وربطهاً عالمياً".
وأوضح الجماس، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن تلك الزيارة " تعزز الرسائل الدولية والرغبة الصادقة لاستعادة الموصل من الدمار والخراب".
ويلفت إلى أن زيارة البابا فرنسيس قبل 5 أشهر تقريباً فتحت الباب أمام "زيارات لبعثات دبلوماسية بينها السفير البريطاني والبلجيكي والفلندي وغيرها لتكون المدينة تحت اهتمام دولي كبير".
وكانت مصادر مقربة من الحكومة العراقية كشفت لـ"العين الإخبارية"، عن تحرك بعثات وفود مشاركة في المؤتمر الإقليمي الذي عقد السبت الماضي، في العاصمة العراقية، لزيارة مدينة الموصل خلال الأيام المقبلة.
ومن جهته يقول ماهر إبراهيم، ناشط موصلي يعمل في منظمات تطوعية، إن "تلك الزيارات التي شهدتها المحافظة منذ مارس/آذار وليس انتهاءً بوصول ماكرون، أسهمت في نقل صورة عن المدينة قابلة للمعالجة وليس كما يتصورها البعض مشوهة تتزاحم عليها الدماء والموت".
ويضيف "خلال زيارة ماكرون إلى مدينة الموصل لم يقطع أي شارع أو يفرض حظراً للتجوال، وهذا ما يدلل على استقرار الوضع الأمني بالمدينة"